آخر تحديث: 28 / 3 / 2024م - 10:36 م

بين الأشواكِ والورود

سألتُ الشوكَ لم يؤلمني؟ قال وخزُ الشوك أدقُّ فيكَ أجراساً، تريكَ جمالَ الوردِ والزهر الذي تطأه قدماكَ كل حينٍ دونَ أن تراه. ليس الشوك إلا رمزاً لغيابِ الأشياءِ القيمة في حياتنا التي تذهب ثم نجري خلفها رجاءَ أن تعود، لكن ليس في الأيامِ ضمانة أن يعودَ ما ذهبَ من النعم.

كان لي صديقٌ أبرمه العمل، حتى أنه صار يعد الأيامَ والساعات متى يترك العمل. ولما ترك العملَ صار يتسكع مثلَ ملايين البشر الذين يبحثونَ عن عملٍ ولا يجدون، وصديقي الآخر الذي تركَ مقاعدَ الدراسة في الجامعةِ وعمل، لكنه صار يستدين المالَ ممن يعرف وممن لم يعرف يشتري بها السمومَ يوماً بعد يوم حتى ماتَ في ريعانِ الصبا.

نحن البشر لا نعرف الأشياءَ إلا بالتضاد، فلو لم يكن ليلٌ لما عرفنا النهار، ولو لم يكن الصيفُ لما عرفنا الربيع. كل الطبيعة تأتي وتروح في نظامٍ يضمن استمرارَ الكونِ في جماله، إلا نحن البشر كُتب لنا دوراتٌ تكاملٍ وتناقصٍ وتناقضٍ منذ الولادة حتى الممات. لا يعرف الصحةَ إلا من مرض، والشبابَ إلا من هرم، ولا يعرف الأمنَ إلا من ذاقَ ويلاتِ الحرب، ولا يعرف حلاوةَ الخبز إلا الفقير الذي تمر عليه أيامٌ دون رغيفٍ أو قوت يوم، أما الباقون فتدق أجراسُ النعمِ صباحاً ومساءً دون أن يسمعوها. إحساسنا وادراكنا لكل هذه النعم يبعث فينا الأملَ في المستقبل فمتى ما فقدنا الأملَ لا شيء يشدنا نحوَ الحياةِ الهشة التي يجب علينا أن نستمتعَ بها حتى النهاية دون أن نكسرَ الساريةَ التي نتمسك بها من النعمِ الجَمَّة، ونسير برفقٍ فوقَ الخشبةِ الرفيعة من الأمانِ لكي لا نسقط في وادي الجحودِ والنكرانِ ثم الحرمان.

كان أستاذنا في الصفوفِ الأولى من المدرسةِ يحذرنا أن نتبعَ خطا الصبي الذي ذرَّ الرمادَ في عينيه وصار أعمى حتى يهرب من نعمةِ العلم ويتركَ الصف ويعود للعب. أين ذلك الأستاذ اليومَ ليرى كيف صارت البشريةُ كلها أو معظمها عمياءَ تتلاعب في أقواتها وسلامتها وأمنها ظانةً أن النعمَ غدران تتفرع من المحيطِ لا تنتهي ولا تنفد. وإذا ما ذهبت النعمُ رفعت أكفها نحو السماءِ بعد الجحودِ ترجو وتطلب من اللهِ أن يعيدها عليها لتعبثَ بها مرةً أخرى!

مستشار أعلى هندسة بترول