آخر تحديث: 19 / 4 / 2024م - 12:34 ص

الإمام الصادق علم لن ينضب

عبد الرزاق الكوي

نكتب في هذه العجالة كلمات قليلة في حق عظيم من عظماء البشرية قاطبة لنتشرف من هذا الفيض الزاخر، والعلم الطاهر والوجود المقدس، نتعرف ونستفيد كنوز من المعرفة وسمو من الطهر وروح من القيم والفكر المنير سليل خاتم الأنبياء، وإبن يعسوب الدين، الشخصية الإيمانية المتكاملة علما وخلقا وزهداً أبوه باقر العلوم امتداد نيرا الى اميرا المؤمنين وصولا مشرفا الى جده اكرم الاكرمين، الشخصية المباركة يقول كل من حوله حدثني جعفر الصادق.

اثناء حياة الرسول الأكرم صلى الله عليه واله، وفي أيامه الأخيرة قبل ان يختاره الله الى جواره ويودع هذه الدنيا بين للمسلمين من هم امتداده وموقع وأهمية اتباع ال البيت ، اخبرهم صلى الله عليه واله ان في اتباعهم النجاة من النار ففيهم تجسد روح الاسلام الصحيح والممثلون لخط الرسول صلى الله عليه واله، واستمرار رسالته المباركة.

ولهذا مارس ال البيت وصية الرسول في الأمة وقاموا بعمل نضالي شامخ، حسب ظروف كل امام والمناخات السائدة في عصورهم فهم المعصومين وبهم حفظ الدين الحنيف.

الامام الصادق احد الأئمة الاطهار يرجع نسبه واصله الى النبي المختار، فالدور المناط برسول الله مناط لكل امام في عصره، فالدور الرباني المتكامل مسؤولية شرعية ربانية والنهضة المشرفة الذي قام بها عيه السلام كان تكليفا من الرسولصلى الله عليه واله، فتوفرت له فرصة تقلبات سياسية قليلة قدم فيها الكثير من العطاء في ظل ما سمحت بها الظروف الاجتماعية والسياسية والثقافية وامكانات التحرك، فكانت نهضة عظيمة لا يشق لها غبار، ولا يضاهيها مجد نهضة معرفية لا مثيل لها من حيث المستوى العلمي والديني والثقافة الإسلامية الصحيحة.

وجدت هذه الفرصة الذهبية من عمر الأئمة المثقل بالمحن والظلم، حين ما أصبح حكم بني أميه آيل للسقوط وضعف بفضل الثورات المتتالية التي قامت ضدهم والخلافات الواقعة في ما بينهم على مقاليد الحكم وتفككهم وبروز بني العباس كحكام جدد وانشغالهم بتوطيد حكمهم وانشغالهم بمطاردة فلول بني أميه، وجد الامام الصادق الفرصة ليقدم للإنسانية من العلوم الإسلامية ونشر المعارف الدينية على خطى الرسول الأكرم وآبائه وأجداده الأبرار، الذي كادت ان تنتهي بسبب ما تعرضت له من انحرافات واضمحلال القيم ومحاربة كل من يقوم بالدفاع عن هذه القيم.

فالأمة وصلت الى حافة الهاوية في ذلك العصر وأصبحت بحاجة الى منقد يعيد لها الروح ويداوي جراحاتها ويسكن آلامها فالمجتمع تداخلت فيه الأفكار الدخيلة من جميع أقطار العالم نقلوا ثقافاتهم وكانت أكثرها ضالة ومضلة من زندقة والحاد كانت تحتاج الى منقد ينقد آلامه في مرحلة من ادق واخطر المراحل الحساسة من عمر الاسلام وتهديد بقاء الدين، في جميع نواحيه السياسية والفكرية والاجتماعية.

فكان لها سليل النبوة بنهضته العلمية الفريدة ليس لفترتها فقط بل للإنسانية عبر العصور ولكل الأجيال، لليوم تمارس الانسانية مباديء وتعاليم وعلوم الامام الصادق ، فكيف لو اعطي الى ال البيت الفرصة كاملة في نشر ما جاءهم من الرسول ومارق هم الله من علم رباني.

قال الامام الصادق لما حضرت إبي الوفاة قال: ياجعفر اوصيك بأصحابي خيرا؟ قلت: «جعلت فداك والله لادعنهم والرجل منهم يكون في مصر فلا يسأل احدا».

فأصبح اتباعهم في عهده المبارك علماء الامه ومراجعها كل حسب تخصصه من العلوم لا يعلو على علمهم احد، غنيون عن علم غيرهم وحاجة الجميع لعلمهم، فكانت عقول نيرة مسكت بزمام العلم الرسالي أسست دستورا من اجل حياة كريمة للامة، كانت مسؤولية الأوصياء من ال البيت بعد وفاة سيد الرسل وخاتم الأنبياء صلى الله عليه واله، ليكملوا المسيرة من بعده في صراع مستمر بين الدين والدنيا والحق والباطل.

ملاء الآفاق بسنة جده وبعلوم ابائه ببصيرة نافدة فهو من قال بعد جده امير المؤمنين الامام علي :

«سلوني قبل أن تفقدوني فانه لا يحدثكم أحد بعدي بمثل حديثي».

ومن يستطيع ان يقولها غيرهم .

هذه المسيرة المباركة يقينا لا ترضي بني العباس وهي تشاهد هذا الإقبال من الناس حول الامام الصادق ، فالنهضة الرسالية والثقافة الاسلامية الصحيحة وتعاليم الاسلام الحقة تفضح مكانتهم وتهدد وجودهم المزيف، فقوبل الامام الصادق من قبل بني العباس بالعنف والاضطهاد والحصار وفرض الرقابة الشديدة على تحركه واصحابه، فكثر القتل وامتلأت السجون وهدمت على من فيها، وهذا ديدن حياة الأئمة .

قال الامام الباقر عن المحن الشاقة التي واجهها اتباع ال البيت:

«قتلت شيعتنا بكل بلد، وقطعت الأيدي والأرجل على الظنة والتهمة، وكان كل من يذكر بحبنا او الانقطاع إلينا السجن او نهب ماله وهدمت داره»

اثني عشر سنة عاشها الامام الصادق في خلافة بني العباس لم يجد الامام الصادق فيها راحة ولا استقرار يتعهده بني العباس شخصيا بالادى حثي تم استدعاءه الى العراق لفترات او ينكل به من قبل واليهم على المدينة للتضييق عليه ومراقبة كل خطواته حتى اصبح الحال لا يستطيع احد من اتباعه الوصول اليه او الالتقاء به.

وصل الحال ان المنصور العباسي بدأ يضيق درعا بالوجود الطاهر للأمام الصادق ، فسعى لتصفيته جسديا لتتوقف مسيرة عامرة وزاخرة من فيض قدسيته وجهاده الفكري ونهضته العلمية والانبعاث العظيم في روح الامه، حيث قام والي المنصور على المدينة بسم الامام فتوفى سلام الله عليه في الخامس والعشرين من شوال من العام مئة وثمان وأربعين هجري عن عمر ناهز الخمسة والستين عاما، دهب شهيدا بعد حياة عامرة برضا الله سبحانه وتعالي وعلى يقين بما قام به فداء لسنة جده، ودع الدنيا مخلفا تراثا حافلا بالمآثر والمأسي.

دفن في مقبرة البقيع التي تعتبر من اقدم المقابر قبل الاسلام وأصبحت اهم المقابر بعد الاسلام بما احتوت من الاجساد الطاهرة من ال البيت وشهداء معركة احد والكثير من الصحابة. هؤلاء رضوان الله عليهم كانت لهم اليد الطولى في ارساء الدين الحنيف وقيام الاسلام وتأسيس الحضارة الاسلامية المجيدة استشهدوا وازدانت البقيع بوجودهم بعد ما حمو بأرواحهم الاسلام والرسول والرسالة أصبحت بقعة مباركة تمثل عبق من التاريخ المشرف ومدفن لعظماء الاسلام.

قال رسول الله صلى الله عليه واله:

«يخرج يوم القيامة من هذه المقبرة نور يضيء السموات والأرضين».

قال الشاعر:

أعز أصطباري وأجري دموعي ** وقوفي ضحى بقاع البقيع

على عثرة المصطفى الأقربين ** وأمهم بنت طه الشفيع

البقيع

فيه قبر الحسن ريحانة المأتمن ** بعده السجاد مات بعد المحن

والباقر بسم هشام قبر هناك وارتحل ** والصادق قتلوه ولم يعلموا من قتل

تنحني لك في كل يوم البشرية تعظيما وأجلالا، كنت ولازلت منار الهدى ومصباح الدين وسفينة النجاة، فضوء مجدك وسمو قدرك يملأ المعمورة إلى هذا اليوم سلام الله عليكم ال البيت وتفضل الله علينا بشفاعتهم وعظم الله أجورنا وأجوركم بشهادة الامام الصادق .