آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 11:37 ص

بين الهواية والوظيفة

أمين محمد الصفار *

في المجتمع الوظيفي يسهل اكتشاف القدرات الإدارية والمهارات القيادية للمسؤولين وبشكل سريع، أما المهارات والقدرات الأخرى غير المتعلقة بالوظيفة فتحتاج مهارات وأساليب خاصة كي تكتشف عن الجانب الآخر للمسؤول وحتى زملاء العمل أو الموظفين الذين يعملون تحت إشرافك وإدارتك.

قد يتفاجأ الموظف الجديد بأن التخصص الأكاديمي لمسؤوله المباشر أو الأعلى منه هو مختلف تمامًا عن طبيعة عمله الوظيفي، وقد يصبح الأمر أكثر غرابة عندما يكتشف هذا الموظف الحديث العهد بالوظيفة أن السواد الاعظم للمدراء العامون في المنشأة التي يعمل هم أيضا يعملون في مجال مختلف عن تخصصهم الأكاديمي.

لست بصدد مناقشة صحة أو عدم صحة هذا الواقع، ولكن أود المرور - وبدون تعليق تحاشيًا الإطالة - على بعض النماذج لمسؤولين سبق أن عملت معهم واستفدت من التعرف على بعض من الجانب الآخر غير المهني لشخصياتهم.

المدير العام لإحدى الشركات الكبرى في المملكة، كان وبالرغم من كونه غير مسلم وعاش معظم حياته في بين أوروبا وأمريكا، إلا أن من أهم سماته هي معرفته القوية وحبه الكبير للغة العربية ومعرفة بالقرآن الكريم والأحاديث النبوية، هذا الحب وهذه المعرفة خلقت لديه «أو لدى العاملين معه للدقة» مشكلة ليست بسيطه وهي أن معظم الخطابات التي تصله للتوقيع بها أخطاء نحوية اؤ إملائية لا يُلتفت إليها، وهو دومًا يصر على تصحيحها وأن كانت بسيطة بنظر المدراء الذين لا يجيدون اللغة مثله رغم كونهم عرب ومسلمين أيضا، فهي أحيانًا لا تتعدى فاصلة هنا أو نقطة هناك وإن زادت فهمزة على الأف أو تحتها.

أحد المدراء العامون وهو سعودي ومن الذين يتمتعون بذكاء كبير وتحصيل علمي رفيع ولديه إطلاع واسع ويدير أكثر من 500 موظف، عندما تم سؤاله عن الهواية التي يمارسها، أجاب بأن هوايته السباكة، فهو يقوم بإصلاح أي مشكلة سباكة في منزله بنفسه وهو يستمتع بذلك ربما بنفس قدر استمتاعه براتبه المرتفع.

أحد المدراء العامون أيضا وهو بالرغم من صوته العالي والخشن أحيانًا إلا أنه يخفي خلفه جانب كبير من الإنسانية والنفس العالية والأخلاق الكريمة، لاحقاً عرفت عن هذا المدير الإنسان الذي يهوى قرأت القصص للأطفال أن زوجته - وبالرغم من منصبه الرفيع - هي من جنسية معظمها يأتي للمملكة للعمل في المهن البسيطة جدًا، وهو تزوجها واستقدم كل اسرتها تقريبًا «الأم والأب والأخ والأخت»، وله أيادي بيضاء على كثيرًا من الناس.

مثال آخر لأحد المدراء الرائعين الذي عملت معهم اكتشفت أن خلف شخصية العملية والملهمة أن من هواياته المتعددة أنه يجيد العزف على أكثر من آلة موسيقية، وأن له فلسفة خاصة به في الموسيقى، طبعا كل الأمثلة السابقة اكتشفت أيضا أن لها باع وسعة اطلاع في الفلسفة وهذا شيء يصعب اكتشافه فيهم وأحياناً حتى مجرد توقعه.

ومن الأمثلة على هويات زملاء العمل، اكشفت أن أحدهم لديهم نشاط تطوعي مع الهلال الأحمر السعودي وهو مرخص لمزاولة الإسعافات الأولية ويشارك معهم في أنشطة مختلفة وهذا شيء مختلف عن طبيعة عمله بل حتى طبيعته في أثناء العمل، وأخر لديه موهبة رائعة في التمثيل، وآخر لديه هواية الرسم واخر لديه موهبة رائعة في الشعر النبطي.

الغرض هنا هو إبراز أهمية أن تكون لنا هواية أو أكثر بجانب التخصص المهني، فكل منهما يعاضد الآخر وتكمل شخصيتنا. بالطبع هناك بعض المدراء الذين تقتصر هواياتهم على لعب البلوت أو ممارسة اسلوب الحياة العابثة وهذا له حديث آخر.

أن التاج الذي سوف أن تضعه على أداءك الوظيفي هو عادة من صنع هواياتك ومهاراتك الشخصية التي حتمًا ستجعلك أكثر تأهيلا للثقة والترقية واستلام مهام أعلى لأنك تمتملك مهارات أكثر من نطاق الوظيفة الحالية، لذا فأنني اقترح على الطلبة والطالبات عمومًا، والموظف الجديد خصوصًا ان تكون لهم هواياتهم الخاصة والتي قد تكون مختلفة تمامًا عن طبيعة عمله، فربما تكون هذه الهواية مجالًا لتحقيق الذات أو ميزة وحيدة أو إضافية تميزه داخل المجتمع الوظيفي.