آخر تحديث: 19 / 3 / 2024م - 1:18 م

ماذا لو دفعنا ريالا واحدا في دورات المياه

علي جعفر الشريمي * صحيفة الوطن

كنت أتساءل وأنا أنظر إلى عمال النظافة المقيمين في بعض دورات المياه: هل من الإنسانية أن تسكن هذه العمالة الدورات العمومية لتنظيف وتنشيف المكان؟ لماذا لا يقوم المستخدم نفسه بالتنظيف؟ أليس في ذلك تكريس للطبقية والعنصرية؟ هل الإقامة في هذا المكان مناسبة للنفس البشرية؟!

قد يعترض عليّ أحدهم قائلا: هؤلاء يترزّقون الله، وأبناء الحلال يعطونهم ما تجود به أنفسهم!.

نعم، كثير منهم يحالفه الحظ ويحصل على مبالغ نقدية من المستخدمين، فالتعاطف والمحبة موجودان ولا يستطيع أحد إنكارهما، ولكن في الحال ذاته هي ليست متجذّرة. بعبارة أخرى، نحن نعطي ونحسن للحظات بسيطة، ثم ننسى وكأنّ شيئا لم يكن.

هل من المنطق في شيء، أن أعطي العامل مبلغا وأتركه للزمن بين المغاسل والمراحيض؟ هل من العدالة أن يعمل هذا المقيم 8 ساعات في هذا الحيز، ثم يأتي عامل آخر يتناوب معه المكان؟! حتى ولو كان حمّاما مبلطا بالسيراميك الفاخر؟!

أعلم جيدا أنها ليست مشكلتنا الرئيسية، فنحن نعاني جهلا بأبسط مبادئ الصحة العامة. فدورات المياه لدينا، خاصة في المساجد وبعض المرافق والأجهزة الخدمية وبعض المطارات، تفتقر إلى النظافة، واستراحات الطرق خير مثال، وهي وحدها «حكاية»، الأرضيات تكسوها القذارات، وتسيل من المطبخ مياه الصرف الصحي، ودورات المياه قذرة، وبعضها لا يوجد فيها ماء أصلا! لكن، هذا لا يعد حلا ناجعا.

نجد - مثلا - في بعض الدول الغربية وحتى الآسيوية، لا توجد عمالة مقيمة في دورات المياه، تأتي مجموعة من العمالة في وقت محدد لا يتجاوز نصف ساعة، ويضعون لوحة «للصيانة والتنظيف» ثم يغادرون المكان. بل أكثر من ذلك، هناك مؤتمر سنوي يقام في الأمم المتحدة باسم المؤتمر الدولي للمراحيض، يناقش فيه أهمية المراحيض ونظافتها، فنصف سكان الأرض لا يحصلون على مراحيض، وإذا وجدت فهي تفتقر إلى مقومات النظافة.

ولهذا، أرى أنه يجب علينا أن نوجد حلا للنظافة من جهة، وحلا لعدم مكوث العمالة في دورات المياه لساعات طوال، من جهة أخرى.

واحدة من أهم الحلول في نظري: أن تكون دورات المياه برسوم بسيطة، بريال أو ريالين، حتى يشعر المستخدم بمسؤوليته تجاهها، احتراما للمستخدم الذي يليه كونه سيدفع المبلغ ذاته للخدمة التي تمتع بها.

لا أعتقد أن في ذلك مشكلة، فالمال الذي كنّا ندفعه كرما للعامل نعطيه للخدمة ذاتها. فنكون بذلك قد عالجنا مشكلة النظافة خلال شعورنا بمسؤولية أننا أصحاب هذا المكان، وأنه كبيتنا تماما، وأن كل مرافق الوطن هي ملك لنا، فيتولد لدينا شعور بملكية المكان، وبالتالي نحرص على جماله ونظافته. وكذلك نكون قد أسهمنا في جعل الحياة أكثر إنسانية، وقضينا على الطبقية والتمايز والعنصرية، خلال إبعاد العمالة عن الإقامة في دورات المياه.