آخر تحديث: 19 / 4 / 2024م - 7:41 م

سبل السعادة في الدارين

ورد عن أمير المؤمنين : ألا وإن من النعم سعة المال، وأفضل من سعة المال صحة البدن، وأفضل من صحة البدن تقوى القلب» «شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج 19 ص 337».

ينسجم في هذه الحكمة الربط بين دار الدنيا ودار الآخرة كما يطرحها - تماما - النهج القرآني، فالدنيا عمارة الآخرة وسبيل تحصيل الجزاء الأوفى هناك من خلال ما يعمله المؤمن من أعمال صالحة، فالدنيا مختبر الهمم والإرادات وإثبات الوجود بالنظر إلى تحويلها إلى رصيد أخروي يحصد به مقعد الصدق.

والحياة الكريمة واللائقة التي تتوفر بها الحاجات الضرورية هي البيئة المناسبة للانطلاق في فضاء العمل المثابر وتطوير القدرات وتنمية الفكر الإنساني، وأما حياة الحرمان وفقدان سبل الأمان النفسي والاقتصادي والاجتماعي - بالتأكيد - ستلقي بظلالها الثقيلة على حياة الفرد، وهذا لا يعني الضجر والتبرم من قضاء الله تعالى بتقدير الضيق المالي أو حلول الأزمات والمصائب؛ لأن تكليف المؤمن هو الصبر على المصائب ومواجهتها بقوة إرادة التغيير، ولكن البيئة التي تساعد الفرد على العطاء وحث الجهود والاستكثار من إتيان الأعمال الصالحة والبذل في سبيل الله تعالى إحدى مقوماتها السعة المالية، ولذا فهي من النعم الإلهية التي تقتضي شكرا عليها، وشكرها النفقة على عياله دون شح أو إسراف وتوفير الفرص التعليمية والحياتية لهم، والحديث بنعمة الله تعالى هي أوجه الكرم والعطاء على أرحامه وحسن الضيافة مع جيرانه والبذل على الفقراء وأوجه العطاء المختلفة، فليس هناك من طريق قصير لنيل رضوان الله تعالى كجبر الخواطر المكسورة وتقديم الهدايا وبذل العاطفة الصادقة والتحنان على اليتامى والمساكين.

وأموال الدنيا كلها لا تساوي شيئا أمام الصحة والعافية وسلامة البدن من الآفات والأمراض، وأين هناء العيش والراحة مع إصابة البدن بالأمراض المزمنة والتي يفقد معها الإنسان لذة الطعام وحلاوة كل شيء من حوله، بل يصل بعضهم إلى حالة اليأس النفسي وكراهة الحياة لأجل مرض تتهتك قواه ويفقد القدرة على الحركة معها، فمن أوتي الصحة والعافية فليشكر الله تعالى عليها فإنها كما يقال: الصحة تاج على رؤوس الأصحاء لا يعرفها إلا المرضى.

وحق نعمة صحة البدن هو توظيف هذه القوة في طريق الخير والعمل الصالح واغتنام الفرص، فسنة الحياة التبدل من القوة والاقتدار إلى وهن البدن.

وامتلاك المال والصحة مع فراغ روحي وإيماني وقساوة قلب تقود نحو انتهاك المحرمات وارتكاب الموبقات، هل يمكننا عدها نعمة أم وبالا وهلاكا؟

تاج النعم هي نعمة الهداية والاستقامة وتقوى القلب واستشعار حضور ومعية المولى الجليل معه في كل أحواله، فليس هناك من نعمة أعظم من الخشية من الله تعالى ومراعاة القيم الدينية والأخلاقية في كل ما يصدر منه.

والخلاصة أن الباري عز وجل تشمل ألطافه وعطاياه الجانب المادي والمعنوي، فلا يغفلن عن شكرها من أوتي يقظة الضمير وتقوى الله تعالى.