آخر تحديث: 20 / 4 / 2024م - 2:34 ص

أي الناس تصفو مشاربه؟

اعتلى خروفٌ سطحَ دار، وبينما هو ينظر من أعلى إذ رأى أسداً يمر من تحته فبادر الخروفُ نحو الأسدِ وشتمه. نظر الأسدُ إلى الخروف وقال: أهكذا يكون فعلك عند القدرةِ على عدوك؟ أنت الذي يصفك البشرُ بالحملِ الوديع! إِنَّك لم تشتمني ولكن شتمني مكانكُ العالي فالموعد عندما نلتقي في الوادي. يقول الحيوانُ ما لا يقول الإنسان ويفعل الإنسانُ ما لا يفعله الحيوان. أن نَقدرَ على عدونا فليسَ من المستحيل، فلو تصفحنا الماضي والحاضر رأينا حروباً انتصر فيها عدوٌّ وماتَ آخر أو أُسر، لكن قوةَ البشرِ الحقيقية تكمن في العفوِ عن أعدائهم عند القدرة وكيف يتعاملون مع العدو في حالِ سكونه.

من العجب أننا كبشر لا نستطيع العيشَ دون عدو، فإذا لم يكن هناك عدوٌّ أخذنا صديقاً، أو أخاً أو زوجاً، وصنعنا منه عدواً ومن ثم عاملناه مثل العدو، لا ينفع كم من ساعاتِ السرور جمعتنا ففي لحظةِ جنونٍ تذرو الرياحُ كل ما جمعنا من عاطفةٍ جميلة وتبدلها بعداوةٍ قاسية، ولكي نؤكد العداوةَ لابد أن نزيد في جرعتها عن عداوةِ العدو الحقيقي.

حقيقةُ طباع الإنسان لم تغفلهَا السماء فأمرت بالعفوِ عند المقدرة وسنت قوانينَ للمتحاربين تحمي الخاسرَ من المنتصر ووضعت حدوداً لخصومةِ الأزواج والناس كافة، ولكن أنَّى للبشريةِ أن تسمعَ صوتَ السماء؟ نساءٌ يحتقرن أزواجهن، رجالٌ يعنفونَ زوجاتهم، آباءٌ يقسون على أولادهم! في إحصائياتِ المجتمعات تأتي معظم العداوات والانفعالات السلبية التي تتحول إلى عنفٍ من أشخاصٍ كانوا أقرباء وأصدقاء يكنون المودةَ، لكنهم انقلبوا من أوداءَ إلى أعداء. تستنهضنَا الحياةُ كل حين تدعونا للاشتباكِ والاقتتال مع العدوِّ والصديق، فلو أطعناهَا ما استبقينا من أحد، فمن الأجدى في كثيرٍ من الأحيان أن نسمعَ دون أذنين، ونرى دون عينين، ونتكلمَ دون لسان، ونحفظ دون ذاكرة!

من أروعِ لحظاتِ الحياة الجلوس على بساطٍ قديم في حضرةِ صديقٍ قديم، لا يهم ماذا يكون الحديث، فلو عرف الناسُ ما في لذة الجلوس مع الصديق لقدموهَا على لذيذِ الأكلِ والشراب وما مشوا خطوةً نحو العداوة. لذةٌ عدها اللهُ في مقدمةِ ما يعطي من ارتضى يومَ القيامة إذ يقول ﴿وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى? سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ «الحجر 47». لا تزال ذكريات العملِ بين رمالِ الصحاري تشع في ذاكرتي حين نجلس بُعيد مغيبِ الشمس فوقَ الرمال التي تسابق لونَ الشمسِ في التلون بلونِ الذهبِ الخالص ونحن نبحث عن الذهبِ الأسود "النفط" في أعماقِ الأرض، نتسامر في أحاديثَ عابرة لا تعني شيئاً سوى أننا نستمتع بالنظرِ إلى النجومِ في انتظارِ الوقت أن يمر!

مستشار أعلى هندسة بترول