آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 4:57 ص

المبادئ.. النظرة

محمد أحمد التاروتي *

التمسك بالمبادئ يحمي الفرد اولا، والمجتمع ثانيا، من التخبط والضياع وفقدان التوازن، خصوصا وان المبادئ تشكل الميزان لضبط مسيرة الفرد والمجتمع في الحياة، فالتخلي عن المبادئ يشكل البداية نحو الهاوية، والانزلاق باتجاه الطريق الخاطئ، لاسيما وان المبادئ بمثابة البوصلة التي تحدد المسار الصحيح، وبالتالي فان التنازل عن المبادئ خطوة خطيرة، تظهر اثارها سريعا احيانا، وتارة اخرى تتكشف تداعياتها مستقبلا.

المبادئ ليست أغلالا تكبل أيدي المرء، في الانطلاق بقوة في الحياة، بقدر ما تشكل شمعة لإضاءة الدرب على الدوام، خصوصا وان السلوكيات البشرية مرهونة بنوعية المبادئ التي تحملها، وكذلك انعكاسا وترجمة لما يعرف بفلسفة الحياة، فالمرء يكسب احترامه في الوسط الاجتماعي من مجموعة المبادئ، التي يترجمها على شكل قرارات وتعاملات يومية، فاذا اتسمت بالرقي والتواضع وحسن التعامل، فانها تحظى بالتقدير والاحترام من قبل الصغير قبل الكبير، بينما يتحول الانسان الى شيطان على صورة بشر، بمجرد الانسلاخ من المبادئ الانسانية النبيلة.

النظرة السطحية للمبادئ تمثل معضلة اساسية، لدى بعض الشرائح الاجتماعية، فهي تتعامل مع القيم كمجموعة ممارسات ”معلبة“، مما يتسبب في اتخاذ مواقف معارضة، او مشوشة في الكثير من الاحيان، الامر الذي يترجم على شكل مواقف مناقضة ومعاكسة تماما، مما يستدعي اعادة برمجة وتصحيح تلك المفاهيم المغلوطة، من اجل ازالة سوء الفهم، او القصور في ادراك ماهية المبادئ، خصوصا وأنها تعد المحرك المعنوي لمجموعة السلوكيات اليومية طوال الحياة، فهي لا تتناول جوانب محددة بقدر ما تشمل مختلف الممارسات الدنيوية لدى الانسان.

تصحيح النظرة القاصرة للمبادئ، تتطلب اعادة المفاهيم الثقافية لدى بعض الفئات الاجتماعية، خصوصا وان المكتسبات المغلوطة تسهم في تشكيل قناعات ثقافية، مغايرة تماما لماهية المبلدئ، فالمبادئ بمثابة مجموعة ممارسات تشكل اطارا عاما، لتقويم السلوكي البشري، بالاضافة لكونها مشتركات انسانية تنسجم مع التفكير العقلي، وتدفع باتجاه انتهاج السلوك الايجابي، والاصلاحي في المجتنع، وبالتالي فان الحديث عن افكار معلبة او جاهزة ليس صحيحا على الاطلاق، خصوصا وان التفكير العقلي قادر على احداث التوازن المطلوب، في ترجيح المبادئ على غيرها من السلوكيات المنحرفة، باعتبارها ممارسات خطيرة ومهددة للحياة، سواء على الصعيد الشخصي او الاجتماعي.

ايجاد الثقافة القادرة تصويب القناعات السلبية تجاه المبادئ، يدفع باتجاه خلق الظروف المناسبة لنمو، وترعرع بذرة المبادئ في النفوس على اختلافها، لاسيما وان الثقافة المضادة تلعب دورا كبيرا، في تشوية الرسالة النبيلة لدور المبادئ في الحياة، الامر الذي ينعكس على شكل مواقف متفاوتة، بعضها صادمة ورافضة بالمطلق، والبعض الاخر يتخذ الريبة والشك شعارا، لمراقبة هذه النوعية من المعتقدات، بمعنى اخر، فان الثقافة تمثل المدخل باتجاه غرس المبادئ في السلوك الفردي والجمعي، مما يؤسس لبناء قاعدة شعبية قادرة على احداث تحولات فكرية، في تغليب الخير على الشر، والتحرك لمحاربة السلوكيات الشاذة، باعتبارها احد الاخطار على السلوك الخارجي بشكل عام.

النظرة للمبادئ تحدد ردة الفعل لدى المجتمع، فاذا اتسمت بالعقلانية والايجابية، فانها تعمل على ربط الفرد بتلك المبادئ، ورفض جميع الدعوات المنادية للتخلي عنها، فيما سيكون الوضع مختلفا تماما بمجرد سيطرة النظرة السلبية وغير العقلانية، بحيث تظهر على شكل مواقف معارضة، ودعوات للانسلاخ عن المبادئ، باعتبارها سلاسل تقيد الانسان في الحياة، وتحول دون انطلاقته باعتبارها «خطوط حمراء»، وبالتالي فان المبادئ تمثل نوعا من تقييد حرية الانسان، وتمنعه من التحرك بحرية مطلقة.

كاتب صحفي