آخر تحديث: 16 / 4 / 2024م - 4:10 م

العادات.. التعامل

محمد أحمد التاروتي *

النظرة للعادات الاجتماعية تختلف باختلاف البيئات والمستويات الثقافية السائدة، الامر الذي يفسر التعاطي المغاير مع تلك العادات، لدى مختلف الشرائح الاجتماعية، فالبعض يرفع العادات لمستوى القداسة، ويرسم ”خطوطا حمراء“، لتفادي تجاوز من الصغير والكبير على حد سواء، فيما يتعامل البعض مع العادات بشكل سلبي للغاية، من خلال الدعوة لتركها باعتبارها موروثات قديمة، وغير منسجمة مع إيقاعات العصر، بينما ينظر الطرف الثالث للعادات الاجتماعية بمنظار عقلاني ومتوازن للغاية، من خلال الاصرار على تكريس النافعة منها، وإصلاح غير المقبولة وفقا لموازين الشرع، ومتطلبات العصر.

التعامل مع اصحاب النظرة ”القدسية“ للعادات، يحتاج الى الكثير من الحكمة، والمزيد من الصبر، لاسيما وان هذه الفئة تتعامل مع العادات باعتبارها ”محرمات“، ينبغي احترامها وعدم المساس بها، مما يدفعها لاتخاذ مواقف معارضة مع اصحاب الاّراء المعارضة، او غير المنسجمة مع رؤيتها، بحيث تتجلى على شكل صراعات ومعارك كلامية، بعضها يظهر على السطح عبر وسائل الاعلام، والبعض الاخر يبقى حبيس المنتديات والدوائر الضيقة للغاية، خصوصا وان تفاقم الصراعات ذات العلاقة بالتعاطي مع العادات، مرتبط بالآليات المتبعة لدى أطراف الخصومة.

فيما يجدر اتخاذ جانب الحذر مع اصحاب النظرة الاستهتارية و”التسفيهة“، لاسيما وأنها تنطلق من قناعات ذات علاقة بالتيارات الثقافية، حيث تحاول زرع مفاهيم ورؤى مغايرة تماما، عن البيئة الاجتماعية السائدة، مما يدفعها لاتخاذ وسيلة الهجوم على جميع العادات المتجذرة، لاسيما وان زرع المفاهيم الجديدة يستدعي اقتلاع العادات الاجتماعية، المرتكزة على القناعات الثقافية في الغالب، وبالتالي فان السياسة الهجومية تمثل الاستراتيجية المتبعة، لدى أنصار النظرة السلبية للعادات الاجتماعية، خصوصا وان عملية التغلغل في الوسط الاجتماعي، تتطلب وضع خطط لنسف العادات الاجتماعية، والتقليل من دورها في البناء الاجتماعي، وكذلك إشاعة النظرة السلبية للعادات في احداث التحولات المطلوبة، على الصعيد الفردي والجمعي.

فيما امكانية التعاطي مع أنصار النظرة العقلانية، والمتوازنة تجاه العادات الاجتناعية، تكون ممكنة وسهلة للغاية، نظرا لوجود حالة من التوازن مع هذه النوعية من الممارسات الاجتماعية، خصوصا وان النظرة الوسطية تلقى قبولا لدى مختلف الفئات الاجتماعية، فالإفراط والتفريط يسهم في اثارة المشاكل على الصعيد الاجتماعي، لاسيما وان البعض يحاول الحفاظ على العادات بطريقة خاطئة، وغير مقبولة على الاطلاق، فالعادات ينبغي خضوعها للتقييم المستمر لتطوير، او الحد من انتشار، انطلاقا من الاثار المترتبة على التمسك بها بدون المراجعة الدائمة، بالاضافة لذلك فان نسف العادات تحت مبررات التطور، والانطلاق باتجاه العالم المتحضر، يحمل في طياته الكثير من التجني، وعدم الانصاف، فالعادات تمثل ثقافة اجتماعية تترجم على شكل ممارسات مختلفة، بعضها مرتبط بالبيئة السائدةة، والبعض الاخر ناجم عن التفاوت الثقافي، لدى الشرائح الاجتماعية، لاسيما وان المجتمع يمثل فئات مختلفة في التفكير الثقافي، وكذلك النظرة العامة للحياة.

تبقى العادات الجامع والمعبر عن هوية المجتمع الواحد، فالتحرك لنسف تلك العادات يهدف لطمس الهوية الثقافية، الامر الذي يستدعي تجاهل الدعوات المتطرفة، سواء الداعية لصبغ هالة من القدسية عليها، او المنادية لاقتلاعها من الجذور، باعتبارها ممارسات متخلفة، وغير منسجمة مع متطلبات العصر، وبالتالي فان الحفاظ عليها يكون بوضعها تحت المشرط، بغرض تشذيبها على الدوام، من خلال انتهاج الميزان الديني، واتباع النظرة العقلانية على الدوام.

كاتب صحفي