آخر تحديث: 19 / 4 / 2024م - 1:33 ص

الخاطر يرثي خالته من يوم مبارك

الدكتور نادر الخاطر *

في يوم مبارك من مولد الامام الرضا توفيت خالتي رحمة الله على روحها في مقام النعيم. لم تبعث لنا بسابق إنذار برحيلها، كعادة الموتى: يغافلونك بتصنع الحياة، ويَعِدونك ببسمة أخرى كلما ودّعتهم في اللقاء الأخير، ثم يذهبون ولا يعودون أبدا.

طوال حياتي، كنت أراها أماً رحوما، تطلّ من وجهها الصبوح البسمة وبِشْر الرضا، وكلما أغضبتني الدنيا أو رمتني بكدرٍ، أهرع أليها؛ فتغسل عني ما علق بنفسي، فأعود إلى الحياة منشرح الصدر، أحمل طاقة جديدة، وروحا نظيفة. من قال أن الأمهات يغسلن ملابسنا كالصغار فقط؟

منذ أن كنت طفل صغير، كنت أجد عندها الرفق وما يسُرّ النفس، فقد دأبت على ذلك مع الصغير والكبير، تنفق على الناس البشر بمقادير لا تحصى، ومن عطاء اليد عطاء غير منقوص. لم تتسلل إلى قلبها قساوة الأيام، فعاشت بقلب أبيض وعزيمة لا تنكسر في وجه صعوبات وأعاصير الحياة.

كانت خالتي أيضا بمقام الجدة، إذ أنها كان أم أخواتها وإخوانها، فهي من غزلت حصير ومديد النخل مع أمها لتساعد في تربية أخوتها، كانت نخلة تسمق مع الزمان، كلما رمها الزمان بنائبة رمته برطب حلو المذاق معسول.

ثمة أناس مثل خالتي لا تحمل اللغة معني لترثيهم، كما لا تحتمل النفس افتقادهم، سأفتقد من زماني أجمل الأزمان التي كانت مخصصة لزيارتها، وستفتقد حياتي قيم ودروس كانت هي موردها. سيفتقد أبنائي مثلي فرحة كانت تغمر نفوسهم في حضرتها، سيفتقدون معلما وناصحا وحكيما وواعظا استل كل خبراته من مصارعة الحياة. لكن كما قال الرندي: ”هذه الدار لا تبقى علي أحد ولا يدوم على حالها شان“.

رحلت خالتي يا زهراء «أم علي الجارودي» ورحلت أشياء كثيرة طوتها بين ثنايا نعشها الطاهر، لكن تركت أبناء كنخلات في بستنها النضير، هي من غرستها، وجمّلتها بالأخلاق والأدب والكرم، تركت لكل من يمر على منزلها ما يقطف له الذكريات الجميلة، هي في قلوبنا، نضر الله مثوى روحك الطاهرة، وجعلك في روض من رياض الجنان اليانعة، والرضا الإلهي العظيم ورفعك الله مقام الصالحين مع الأنبياء، إنا لله وإنا إليه راجعون.