آخر تحديث: 24 / 4 / 2024م - 11:30 ص

الخصوصية.. الميانة

محمد أحمد التاروتي *

اقتحام الخصوصية ينم عن قلة ذوق، واحيانا انعدام الاخلاق، فالسلوك المزعج مرآة لمنظومة القيم، التي تحكم طبيعة العلاقات مع الاخر، لاسيما وان البعض يتخذ طريقة واحدة في التعاطي مع القريب والبعيد، فهو لا يضع ضوابط وحدود حاكمة، لأطر العلاقات الاجتماعية، انطلاقا من قصور كبير في ترتيب الاولويات بالدرجة الاولى، خصوصا وان التعدي على الخصوصية يمثلا انتهاكا صارخا للخطوط الحمراء، ونوعا من الوصاية غير المقبولة على الاطلاق.

احترام الذات احد الموانع لحفظ شبكة العلاقات الاجتماعية من جانب، ورادع قوي لايقاف عمليات الاقتحام العنيف للخصوصية، لاسيما وان المرء الذي يضع ضوابط لطبيعة العلاقة مع الاخر، يتفهم احترام الخصوصية لدى الغير، مما يشكل حاجزا دائما على مدى الحياة، بحيث يرفع رصيده من الاحترام والتقدير من لدن الاخرين، نظرا للتعامل الراقي والمحترم وكذلك لانتهاج السلوكيات المتوازنة في التعاطي مع الاخر.

الخصوصية منزل المرء الذي يسعى للحفاظ عليه، من اللصوص والفضوليين، من خلال وضع الموانع الطبيعية، وغيرها من الاجراءات لمنع تسلل الاخرين وكشف عورة المنزل، لذا فان الانسان يتحرك للحفاظ على مسافة فاصلة، في طبيعة العلاقات الاجتماعية، خصوصا وان التخلي عن الخصوصية يسبب الكثير من الإشكالات، ويدمر طبيعة العلاقة على المدى القريب، جراء المشاكل المترتبة على الاقتحام غير المستساغ، بحيث تبرز على شكل خلافات، واحيانا نزاعات دموية، نظرا لرفض احد الاطراف استمرارية العلاقة الفاقدة للاحترام المتبادل.

الموقف الحاسم منذ اللحظات الأولى، يحدث فرقا كبيرا بوضع الامور في النصاب الصحيح، فالتراخي او عدم اتخاذ الموقف الرافض يدفع للتمادي، والاستمرار في التعدي على الخصوصية، بينما يكون الوضع مختلفا بمجرد انتهاج طريقة قوية، بمجرد الشعور بتجاوز الحدود الفاصلة، في طبيعة العلاقات الاجتماعية، خصوصا والبعض يفهم السكوت او التغاضي بطريقة خاطئة وغير سليمة، مما يدفعه لزيادة جرعة السلوكيات غير المتوازنة، والتي تحمل في طياتها عدم الاحترام، وبالتالي فان المرء يمتلك تقويم السلوك الخاطئ باعتباره صاحب القرار، والقادر على إيصال الرسالة الواضحة لجميع الاطراف، من اجل تقويم الامور وعدم السماح بممارسة المزيد، من الاعمال الفاقدة للاحترام المتبادل.

اتخاذ يافطة الميانة شعارا في تجاوز الحدود، ينم عن قصور كبير في طبيعة العلاقة مع الاخر، فالبعض غير قادر على وضع الامور في المكان السليم، من خلال التعاطي غير المحترم في جميع الأوقات، سواء في الاماكن العامة او الخاصة، نظرا لانتهاج آلية خاطئة في تقدير الموقف، بمعنى اخر، فان المرء مطالب بالتفريق بين اوقات الجد، وزمن المزح، فكل موقف يتطلب تصرفا مناسبا بما يحفظ كرامة الذات، واحترام الاخر، انطلاقا من المثل العربي ”لكل مقام مقال“، بينما يكشف التصرف غير المتوازن عن تواضع في تقدير الموقف، الامر الذي يفرض قواعد صارمة لضبط إيقاع التصرفات، وفقا للموقف الزماني والظرف المكاني.

اعتماد الميانة قاعدة ثابتة في اقتحام الخصوصية، يسبب الكثير من المشاكل، ويسهم في قطع حبال الود في الغالب، خصوصا وان البعض يستخدم الميانة وسيلة في الإهانة، او احيانا في التقليل من المكانة الاجتماعية، وكذلك عدم ابداء الاحترام المطلوب، الامر الذي يفرض اتخاذ القرار الحاسم، في التخلي عن تلك العلاقة المضطربة، وغير المستقيمة، نظرا لآثارها التدميرية على شبكة العلاقات الاجتماعية، خصوصا وان المرء يرفض الإهانة الصادرة، من القريب والبعيد على حد سواء، وبالتالي فان الحفاظ الخصوصية يتطلب العديد من الإجراءات، وفرض المزيد من الضوابط، لتنظيم مستوى العلاقات في المسيرة الحياتية.

كاتب صحفي