آخر تحديث: 28 / 3 / 2024م - 5:41 م

«التجربة الصينية»

كمال بن علي آل محسن *

في زحامِ الحياةِ المليئةِ بالأحداثِ والمواقفِ المتنوعة، وفي غمرةِ الطموحاتِ الإنسانيةِ الممتدةِ والمشروعة، يمارسُ الإنسانُ الكثيرَ من التجاربِ في مختلفِ الميادين؛ ويكونُ قد رسمَ كوكبةً من الأهدافِ الكبيرةِ والواقعيةِ بغيةَ تحقيقِ غاياتٍ عظيمةٍ ومنجزاتٍ عملاقةٍ تسهمُ في إثباتِ الذات وتأكيدِ قدرتها على العطاءِ المتواصل، وإحداثِ تغييرٍ إيجابي في النفسِ ينتقلُ عبقُه عبرَ هالاتٍ بلوريةٍ تنطلقُ سابحةً من فضاءِ الذات؛ لِتَحُطَ رحالَها على الآخرين فتحدث ذات التغيير.

التجاربُ كألوانِ الطيف، ولكن تبقى التجربةُ الفريدةُ من نوعها والتي ربما لا يمارسها الإنسانُ إلا مرةً واحدةً في حياته، وربما تأتي عَرَضًا لم تكنْ في الحسبان، وتكون عامرةً بكل ما هو جميل ورائع وباذخ.

إن تجربتَنا التي سنتحدثُ عنها هي تجربةُ تعلمِ أساسياتِ اللغة الصينيةِ المندرينية.

وبعيدًا عن السياسةِ والاقتصاد والمالِ والأعمال فمحطتُنا ليست هنا، بل هناك في الجامعةِ العربيةِ المفتوحة، حيث كانت لنا صولاتُ وجولاتُ الفرسانِ ولكن بنكهةٍ صينيةٍ وطابعٍ خاص مميز في تعلمِ لغةٍ أجنبيةٍ جديدة، حيثُ تختفي الحروفُ فليس لها وجود، وتكونُ المواجهةُ مع مجموعةٍ من الرسوماتِ والصورِ تحولت إلى رموز / خنزاتٍ تضعك أمامَ تحدٍ كبيرٍ واستثنائي.

بدايةُ التجربةِ، كانت تحملُ معها مفرداتِ الجديدِ والغريبِ والمبهم، ويظللُ تلك المفرداتِ عنصرُ الدهشةِ الذي يخالطه ويمتزجُ معهُ عنصرُ المتعة، وبعد أنْ أبحرَ الربانُ؛ ليقودَ السفينةَ «سفينة الينك» في النهرِ الأصفر «هوانغ هو» والمعروف بفيصاناته الخطيرة، كنّا معه جنبًا إلى جنبٍ في المواجهة. في أولِ الأمرِ شعرنا بصعوبةِ المهمة وربما استحالتها، مع وجودِ المشقةِ الجليةِ في الرحلة، ولكن مع حكمةِ وحنكة وخبرةِ وتشجيع ذلك الربان المتمرس والعارف بخبايا ذلك المكان وأسراره وطلاسمه والذي قضى فيه جزءًا من عمره. وفِي الطرفِ الآخرِ كان الصبرُ والتفاني هما العنوانانِ البارزانِ لطاقمِ السفينة.

تجاوزنا الكثيرَ من العوائقِ والعراقيل والحواجزِ إلى أن وصلنا وحققنا الهدف، فكانت النهايةُ رائعةً، والختامُ مسكٌ تفوحُ منه مفرداتُ الفرحِ وجمال الإنجاز ِوروعة الصحبة.

وأنا أتجولُ بكلِّ خِفّةٍ وسعادةٍ على ضفافِ النهرِ الأصفر في حالةِ هدوئه، سأكتبُ ثلاثَ مشاعر قلبية بخنزاتٍ صينية أستخدمُ فيها الكنوزَ المكتبيةَ الأربعة - كما يسميها أهل الصين وهي: «الريشة والحبر والورق والمحبرة»، ثم أضعها في ثلاثِ بطاقاتٍ يحوطها إكليلٌ من زهرةِ أوركيد شينزين نونجوك والتي أطلقَ عليها الفليسوفُ الصيني كونفوشيوس لقبَ «زهرة عطر الملوك»، وأرسلها عبر الأثير بالترتيبِ التالي إلى كلٍّ من:

  • البطاقة الأولى: لربانِ السفينةِ المدرب الرائع والإنسان الراقي الذي لم يبخلْ في تقديمِ كل ما تعلمه في سِنِيِّ حياتهِ التي قضاها في الصين، إنه الصديق الدكتور عبدالإله السحيمي.
  • البطاقة الثانية: لإخوتي المعلمين المتدربين والذين كانوا يحملون مشاعلَ ثلاث طوال مدة الدورة: المحبة، والتعاون، والرغبة الصادقة في التعلم.
  • البطاقة الثالثة: لكم أيها القُرّاء الأعزاء كي تهدوها بدوركم لكل إنسانٍ يطمحُ أن يخوضَ غمارَ التجربة، تجربة تعلم اللغة الصينية.