آخر تحديث: 20 / 4 / 2024م - 4:24 م

الجدال.. الجدوى

محمد أحمد التاروتي *

الجدال يتخذ اشكالا متعددة وفنونا مختلفة، بعضها انعكاسا حقيقيا للمكابرة، وعدم الإذعان للحق، والتهرب من الاعتراف بالأخطاء، مما يدفع لانتهاج وسيلة للهروب للامام، أحيانا بطريقة فاضحة، وأخرى بأسلوب ذكي واحترافي، بينما يمارس البعض الجدال وسيلة لتعميق التلاحق الفكري، بعيدا عن العصبية المرفوضة، مما يضفي على الجدال حالة من الاختلاف العميق، بيد انه سرعان ما يزول بمجرد انتهاء جولة النقاش المحتدمة بين الأطراف المختلفة، نظرا لوجود أرضية مشتركة قائمة على التدافع الحسن.

الشعور بالهزيمة النفسية، او عدم القدرة على الصمود في وجه الحقائق، يشكل احد الدوافع للانغماس في الجدال العقيم، وغير النافع، فالإحساس بالانكسار النفسي، والهزيمة الاجتماعي، يدفع باتجاه خلق المبررات غير العقلانية، والزائفة في الغالب، لتفادي الإقرار بالهزيمة والفشل الذريع، الامر الذي ينعكس على صورة محاولات يائسة للدخول في معارك كلامية، بهدف تعطيل إعلان الهزيمة بشكل رسمي، لاسيما وان الاعتراف بالانكسار يترك تداعيات غير محمودة، على الصعيد الشخصي والاجتماعي، مما يستدعي التحرك بالاتجاه المضاد عبر الانخراط غير المدروس أحيانا، في الجدال الطويل مع مختلف الأطراف.

محاولة التلاعب بالحقائق، وقلب الأمور رأسا على عقب، احد الأسباب وراء الدخول في الجدال الطويل، خصوصا وان الجدال يستهدف التلاعب بالألفاظ عبر استخدام ”كلمة حق يراد بها باطل“، فهذه الطريقة من الجدال لا تتحرك للوصول الى الحقيقة، بقدر ما تحاول طمس الحقائق، نظرا لوجود المبررات الدافعة للتأثير على العقول بطريقة خاطئة، الامر الذي يتمثل في الاستعانة بالمخزون الكبير من المفردات، القادرة على احداث حالة من الانبهار، من اجل خدمة الأهداف المرسومة سلفا.

السيطرة على العقول عبر استخدام الجدال، عملية محفوفة بالمخاطر، لاسيما وان التفاوت العقلي بين البشر يجعل السيطرة من الصعوبة بمكان، الامر الذي يفسر فشل بعض التحركات الهادفة للتأثير على التفكير الجمعي، نظرا لوجود عناصر قادرة على القراءة الدقيقة، والتعرف على خفايا الأمور، وبالتالي فان الجدال سلاح ذو حدين، فهو قادر على تأجيل الإقرار بالهزيمة احيانا وتارة اخرى وسيلة مكشوفة، ولعبة خاسرة ضررها اكثر من نفعها، نظرا لوجود بيئة اجتماعية واعية وتمتلك قدرا كبيرا من الدراية بأغراض الجدال الحقيقية، مما يجعل تمرير مثل هذا الأساليب عملية صعبة للغاية، فالمسيرة الإنسانية تحمل بعض التجارب الناجحة، ولكنها تسطر فشل بعض التجارب الأخرى.

الفائدة المرجوة من انتشار ظاهرة الجدال في البيئة الاجتماعية، تختلف باختلاف الأطراف الفاعلة والمحركة، لهذه النوعية من الممارسات الفكرية، ففي الوقت الذي يجد البعض في الجدال وسيلة لتنمية القدرات، على النقاش العلمي بعيدا عن التجريح، والتسقيط، فان البعض ينظر لهذه الوسيلة كنوع من إضاعة الوقت بدون طائل، نظرا للاثار التدميرية المرتبطة بهكذا سجالات، خصوصا وأنها لا ترمي لآثارة الفكر بقدر ما تركز على التلاعب بالألفاظ، بعيدا عن الثمرة العلمية المطلوبة، فالحوارات العلمية تستهدف الخروج بحصيلة قادرة على رفد المسيرة البشرية.

الجدال يبقى محل نزاع كبير، وموضع تجاذب لوجهات النظر، لاسيما وان الجدال يحمل في طياته تداعيات سلبية، مما يجعل الالتقاء عند نقطة مشتركة من الصعوبة بمكان، نظرا لاختلاف التوجهات، وتعدد الاّراء تجاه هذه الوسيلة في العلاقات البشرية، بمعنى اخر، فان الجدال يشكل محل صراع دائم، لدى الكثير من النخب الفكرية، والقواعد الشعبية، مما يجعل الأمور في حالة التباس دائم، وتنازع كبير، في التعاطي مع هذا الأسلوب، داخل البيئة الاجتماعية الواحدة.

كاتب صحفي