آخر تحديث: 19 / 4 / 2024م - 1:33 ص

ورقة عمل اجتماعية مفتوحة

تعريف المجتمع من مناظير فردية مختلفة ”5“

المهندس أمير الصالح *

بعض افراد المجتمع يقولون أين المجتمع؟ وبعض ابناء المجتمع حاقنون على المجتمع؛ والبعض من افراد المجتمع يقولون خذلنا المجتمع. تُرى مَن هو المجتمع الذي يقصده هؤلاء الناس.

كلمة المجتمع يرددها الجميع ولكن الصورة الذهنية للمفردة اللغوية ”المجتمع“ متعددة الانطباعات بتعدد الاشخاص. على سبيل المثال، عندما يُسأل مغترب / مهاجر عربي بُعيد وصوله لدار الغربة عن تعريفه للمجتمع المحيط به، فسيجيب: بانه هو المجتمع الذي يضم ابناء من عناصر قومية واحدة تشترك في اللغة والعرق ك القول بان مجتمعه هم ابناء الجالية العربية. بعد انقضاء فترة من الزمن لو اعيد ذات السؤال على ذات الشخص المغترب بعد تمدد خارطة علاقاته هنالك، فقد يجيب على نفس السؤال المذكور انفا بالقول: ان المجتمع هو مجموع الناس الذين يشتركون في الدين واللسان وبعض العادات والتقاليد واصناف الاطباق الغذائية. وبعد انطواء الزمن والعودة لنفس المغترب / المهاجر وطرح ذات السؤال للمرة الثالثة عليه فان جوابه سيكون منكمشا او متمددا حسب مكاسب تجارب المغترب ونضوج تقييمه الموضوعي فقد يقول بان: المجتمع هم افراد يشتركون في الدين والمذهب والجذور الانتمائي لـ منطقة ما قوميا والعادات والاعراف او قد يقول بان المجتمع هو مجموعة افراد يتكاملون من خلال تبادل المصالح ويشغلون مكان جغرافي واحد ولديهم وسائل اتصال مشتركة دون الالتفات لمفاهيم الدين او المذهب او القومية او العادات او التقاليد.

هذه التعريفات المتغيرة والمتبدلة من ذات الشخص، تتماشى وتتبدل سعة او انكماش بناءا على قناعات ذات الشخص وبناء على تجاربه الشخصية المتراكمة مع ماضي وتقادم الايام حيثما يوجد مكانا وزمانا وانماط ردود افعال وتشكيل لانماط شخصية. وهنا قد يتعرض ذات الشخص لتعريف جديد عن المجتمع عند تولد شعور الحنين لماضي اجتماعي homesick وقد يتطور الى حالات تدعى النوستالجيا / nostalgia وهناك قد تتبلور تعاريف جديدة لمفهوم المجتمع عند ذات الشخص. ولعل من ينكر اهمية المجتمع وبناءه والمساهمة في صيانته واعادة ترميمه في حياة الفرد لاي سبب كان يكون بطرنته المالية او تحقيق الملائة المالية او انقلابه او عدم قناعته بالمحيطين به او وقوعه ضحية لمغالطات او تقلص فرص الكرامة الوجودية في حقه. وهنا قد يتسأل الانسان العادي ليطرح تسأل بسيط في حق من ينكر اهمية وجود مجتمع في حياته ان يقدم تفسيره لاعراض امراض الاكتئاب والانتحار في حياة الافراد.

دعنا نودع المغترب/ المهاجر ونذهب الى المواطن الحضرية الاصلية لهم وهنا على سبيل المقاربة منطقة الشرق الاوسط.

المصاهرة والاستئناس والتعاطف التفاعلي الايجابي والتكامل في الخدمات التبادلية المنفعية هي الركائز الاساسية لتكوين المجتمع التقليدي وجذوره. وقد يقول اخر بان الشخصية الاجتماعية تتكون من تشابك الدوافع والعادات والميول والانماط الفكرية «العقل الجمعي» والتوجهات للمشتركات العاطفية والمعتقدات المشتركة والتكافل العام الناتج عن مجموع المشاعر المشكلة اجتماعيا هي الركائز الاساسية لتكوين المجتمع التقليدي والغير تقليدي. وقد ياتي اخرون بتعاريف مختلفة لنفس المصطلح الا انه من المؤكد ان الصورة الذهنية لكل شخص عن اي مجتمع ينتسب اليه هو وجود ذاكرة اجتماعية منبعها المشتركات الفكرية والجغرافية والتكامل الاقتصادي بتبادل الخدمات وسد الاحتياجات والمساحات المشتركة في بعض العادات وبعض التقاليد وبعض الافكار وبعض العقائد وبعض المواقف التاريخية.

كما اوردنا سابقا، البعض من الناس يتفلت من مجتمعه الاساس بسبب تأثره بافكار محددة او قوة الصدمة الحضارية التي خاضها او تطلعه لشي ما يتعارض ومحيطه او اعادته لصياغة ومنظومة قناعاته وافكاره او تغيِّر حالته المالية او ارتفاع المنصب الوظيفي له، فيلتحق على ضوء ذلك بمجتمع آخر او يستحدث ويهيكل احاطة نفسه بافراد معينيين ويعتبرهم افراد مجتمعه الجديد. هذا التصرف او السلوك يزداد بوتيرات متفاوته بين معظم اهالي المدن الكبرى وابناء بعض اهل القرى شديدي الطموح في معظم الدول العالم. لعل المتابع من القراء اطرق سمعه كتاب ”لا ارغب ان اكون عربية / Pas envie d’etre arabe“ للسيدة ريما خوري والصادر باللغة الفرنسية عام 2014. وقد علقت الكاتبة في لقاء اذاعي بعد اصدارها للكتاب بالقول نصا: ”وعندما أقول إنني لا أرغب أن أكون عربيّة، فالسبب لا يعود بالتأكيد لأنني اخجل من أصولي، بل لأنّني لا أريد أن أكون في صفّ المشبوهين بعد الحادي عشر من أيلول سبتمبر، ولأنّني أرفض فكرة الانتماء الواحد أكان بالنسبة لي أو بالنسبة لآلاف الأشخاص المهاجرين“، انتهى النص.

مواطن التنبيه عدة في هكذا مشاهد:

- امكانية توظيف اطراف متعددة خارج المجتمع لا سيما لحالات الناقمين / الناقمات او الذين يخشون التصنيفات الاعلامية على مجتمعاتهم في امور غير متلائمة مع قناعات المجتمع

- امكانية زيادة مستوى الخذلان والروح السلبية لمن لا يؤمن بمجتمعه

- زيادة منسوب عدم القناعة باي طرح اصلاحي او ترميمي داخل ذات المجتمع بناء على انتشار الروح السوداوية من اطراف ناقمة / محبطة / بائسة / يائسة / انانية / انتهازية.

اود ان يفرد القارئ الكريم بعض الوقت مع نفسه لتعرف على رؤيته الذاتية للمجتمع الذي يؤمن به باجوبه صريحة مع نفسه:

السؤال 1: ماهو تعريفك للمجتمع؟

السؤال 2: لو سمح لك وبكامل القدرة والحرية والتصرف ان تشكل مجتمعك، فما هي صورة مجتمعك وماهي المنظومات الفكرية التي تبنيها عليه؟ وهل ستصيغه صياغة شبه مغلقة semi - closed. او مفتوح open من دون اي خطوط حمراء: خضراء / صفراء؟

السؤال 3: هل ترى انه يجيب تدمير كامل البناء الاجتماعي الحالي واعادة بناءه من جديد باسس مختلفة؟ ام انه يجيب اعادة تنقيح بعض الافكار السائدة فيه والاستفادة من الطاقات الايجابية المتوفرة فيه والاستلهام من تجارب الاخرين؟

السؤال 4: هل مجتمعك طبقي البناء ام تعاوني التنشأة؟ وهل تجد ان لك اي وزن في صياغة مفاهيمه ام ان هناك مجاميع له كامل الوصاية على مجتمعك؟

السؤال 5: هل ترى مجتمعك في نمو مستمر ومتغيير ام انه جامد ومتناحر وقد يتفتت يوما ما؟

السؤال 6: هل اقدمت يوما ما على خطوات عملية او طرح افكار تزيد من النمو الاجتماعي لمجتمعك؟ وهل مازلت في اصرار ام انك اعتزلت؟