آخر تحديث: 16 / 4 / 2024م - 4:10 م

الغرور.. العلم

محمد أحمد التاروتي *

يتحكم الغرور العلمي أحيانا كثيرة، في اتجاهات البعض، تجاه التيارات الفكرية السائدة، فعوضا من الاستفادة من ينبوع تلك القنوات الفكرية، لانارة الطريق فيما يعود عليه بالفائدة على الصعيد الثقافي، فانه يمارس الانغلاق الذاتي على تلك التيارات الفكرية، مما يكرس السطحية والتخلف جراء اغلاق العقل، امام الاستنارة بالمعارف على اختلافها.

الغرور العلمي يقود صاحبه للطرق المهلكة، نتيجة السير الأعمى وراء النزوات الذاتية، حيث يعمد للتعاطي مع المحافل العلمية بالتعالي، وعدم الانصياع لصوت العقل، الامر الذي يتمثل في اتخاذ المواقف الرافضة لمختلف التيارات الفكرية، انطلاقا من الشعور الذاتي بالاستغناء عن العلوم الأخرى، مما يشكل منعطفا خطيرا على الصعيد الذاتي، وأحيانا الاجتماعي، خصوصا وان انتشار هذه الظاهرة يؤسس لحالة مرضية قاتلة، وتتطلب التدخل السريع لمعالجتها بالطريقة المناسبة، ”اطلبوا العلم من المهد الى اللحد“، ”الحكمة ضالة المؤمن اخذها أنى وجدها“.

مشكلة الغرور العلمي في الاثار الناجمة عنها، فهذه الظاهرة تصيب صاحبها بالزهو، وعدم التواضع عبر الاستفادة من التيارات الفكرية على اختلافها، جراء استحكام المكابرة على صوت العقل، وانعدام الحكمة المطلوبة، في التعامل مع المدارس الفكرية، فالقطيعة احد الأسباب وراء بروز ظاهرة الجهل، وعدم القدرة على التعاطي الإيجابي مع التيارات الفكرية، لاسيما وان الغرور يقطع كافة سبل التواصل، ومحاولة الحصول على الجديد في عالم المعرفة، فالتواصل لا يعني التسليم بصوابية تلك التيارات الفكرية، بقدر ما يهدف إيجاد حالة من التفاهم، لتفادي الاصطدام المباشر، ”الناس أعداء ما جهلوا“، وبالتالي فان القطيعة تدفع باتجاه الاشتباك واثارة المشاكل، جراء غياب المعرفة اللازمة بأهداف وأغراض تلك التيارات الفكرية.

عملية التواصل الفكري ضرورة تفرضها العلاقات الإنسانية، فالبشرية بحاجة للتلاقي ونبذ القطيعة، وتغليب صوت العقل، والقضاء على مختلف أسباب الخصومة والعداوة، نظرا للاثار التدميرية الناجمة على اثارة المشاكل، سواء على الصعيد الفكري نتيجة حرمان الإنسانية، من الإرث المعرفي الكبير، بسبب سيطرة الغرور وثقافة الاستغناء، مما يستدعي تقديم التلاقي الثقافي على القطيعة والخلاف، بالإضافة لذلك فان، فان العداوة والاشتباك المباشر يقود للتخلف، وتدمير شبكة العلاقات الإنسانية، الامر الذي يكرس النزعة الشريرة وسيطرة الانعزالية، عوضا من انتشار ثقافة التواصل، في التعاطي مع التيارات الفكرية على اختلافها.

الحصول على قدر من العلم، ليس مدعاة لممارسة الوصاية، او اظهار الرفض تجاه مختلف التيارات الفكرية، فمهما امتلك الانسان من المعارف الكثيرة، جراء التبحر في مختلف العلوم، فانه بحاجة مستمرة للتعلم، والحصول على العلم، من مختلف المشارب، ”فقلْ لمنْ يدَّعِي في العلمِ فلسفة... حفِظْتَ شَيئًا، وغابَتْ عنك أشياءُ“، وبالتالي فان اغلاق باب العلم خسارة كبرى يصعب تعويضها، لاسيما وان الانسان في مشوار حياته في حاجة مستمرة للتعلم، ”في التجارب علم مستحدث“، فالغرور العلمي جرثومة خطيرة تعطل العقل، مما يستدعي للتحرر من هذه الجرثومة، من خلال اعتماد الاليات المناسبة للقضاء على الغرور العلمي، بهدف تمهيد الطريق امام التزود بالجديد على الدوام، وعدم التقوقع ضمن دائرة ضيقة للغاية.

يبقى الغرور العلمي عنصر قاتل لمبدأ التواضع الدائم للعلم، فسيطرة هذه الظاهرة في السلوك الداخلي والخارجي، عامل أساسي في فقدان القدرة على التزود المستمر للمعارف على اختلافها، نتيجة انحراف البوصلة باتجاه وجهات معاكسة، مما يكرس حالة الضياع، وعدم القدرة على تطوير الذات، لمواصلة مشوار العطاء، في بحر العلوم الإنسانية في شتى المجالات.

كاتب صحفي