آخر تحديث: 20 / 4 / 2024م - 9:52 ص

كيف نستقبل عاشوراء

عبد الرزاق الكوي

نحن على أبواب شهر محرم الحرام، هذا الشهر استشهد فيه الامام الحسين في أكبر فجيعة في التاريخ الإنساني، يبدأ اتباع أهل البيت في كافة أنحاء العالم في هذه الأيام بالاستعداد لاستقبال شهر انتصار الحق على الباطل، والدم الطاهر على السيف الغادر، الأيمان كله على الكفر كله، فالموالون وأصحاب المآتم تستعد لإحياء شعائر عاشوراء الامام الحسين ملبين دعوة الأئمة «رحم الله من احيا امرنا».

هذه الأيام الحزينة على قلب اهل البيت تكون فيه صاحبة العزاء الاولى السيدة الزكية والطاهرة فاطمة الزهراء ، تستقبل المعزين في مصابها، بل يصل الى ان يكون كل منا صاحب المصاب، فالحسين أغلى واعز من كل الأنفس على وجه الارض.

ايام عاشوراء سيد الشهداء نجدد فيها الولاء، ونأخذ من نهج الامام ، العزة والصلاح وإصلاح النفس مما خالطها من حب الدنيا والانشغال بأمورها، ولهذا تعتبر هذه الأيام حزينة على قلب الرسول الأكرم وأهل البيت واتباعهم، ليس للعبرة ودرف الدموع بل كل يبحث عن ضالته وما يحتاجه من اجل إصلاح واقعة للأفضل، فعاشوراء التضحية، الكرامة، الإباء، الإخلاص، الفداء، الإيثار، العطا، التآخي، المحبة، النصرة، ومكارم الأخلاق، وغيرها من انبل الصفات التي خلدتها عاشوراء الامام الحسين ، كلا يجد ضالته ويصحح وضعه، ما وجدت نهضة الامام الا للإصلاح.

تجتمع الانسانية في الأيام القادمة تحت رأية الحق تحيي المبادئ الذي خرج من اجلها الامام وقدم ثمنها حياته لتصل لنا صلاة الرسول وصيام الرسول وحج الرسول، التي اريد لها ان تذهب وتمحى.

كل منا يتعرض لفقد حبيب، هذا الفقد يترتب عليه التزامات وواجبات، فكيف اذا اذا كانت المصيبة مصيبة الرسول وهو صلى الله عليه واله يقول «حسين مني وانا من حسين» ومن تتلقى العزاء سيدة نساء العالمين، ما أعظمه من مصاب يدمي القلب، فعلينا ان ندخل شهر محرم الحرام الذي هو من اعظم ايام الله تعالى الذي سفكت في الدماء الطاهرة، ان نستعد نفسيا ونتهيئ قلبيا لنحظى برضى الله تعالى ورسوله، وأهل البيت ، ان نكون في جاهزية تستحقها سيدتنا فاطمه وترجع لنا طهارة لقلوبنا، فشهر محرم الحرام لا يقل أهمية في عظمته ومكانته عن شهر رمضان المبارك، شهر الرحمة وليلة القدر، والمخلصين في عبادتهم يحرصون ان يتهيؤون لاستقبال شهر رمضان المبارك من شهر رجب وشعبان، صياما وأعمال وزيارة حتى اذا ما دخل الشهر الكريم فهم على استعداد نفسي ليعيشوا في هذا الشهر في اجواء إيمانية، فالحسين لم يخرج الامن اجل إقامة الصلاة والصيام والحج وجميع الاعمال العبادية التي ارسل بها الرسول الأكرم صلى الله عليه واله.

فإذا كان شهر رمضان المبارك يستعد له بالشهور، فعاشوراء الحسين أمامنا أيام قلائل علينا استغلالها وعدم ترك هذه الفرصة بمشيئة الله يكون فيها الفلاح والقبول، تتحسن فيها صلاتنا وصيامنا وجميع اعمالنا العبادية، فإذا فاز اصحاب الحسين بالمنزلة الرفيعة بما قاموا به من عمل، فلنكن اليوم اتباع الامام قولا وفعلا، لا نكن كما قيل قلوبنا مع الحسين وسيوفنا عليه، او كما قيل الصلاة مع الامام علي اتمً والاكل مع معاوية أسمن والوقوف فوق التل اسلم.

ان نتهيأ لهذه الأيام بتذكر المصاب، ان نستمع الى النواعي، والمقاتل والكلمات المؤثرة عن مسيرة الامام وما فعل الجيش الظالم في الحسين واصحابه رضوان الله عليهم من اجرام قتل وتمزيق الاجساد وقطع الرؤوس الشريفة، ان نزور الامام، ونقرأ كتيب او كلمات تجعلنا على استعداد تام للمشاركة في هذا المحفل العظيم. حتى لا نفوت علينا فرصة مهمة من حياتنا نتحسر عليها يوما ما.

عاشوراء الحسين من افضل الوسائل للجهاد الأكبر وهو جهاد النفس، ونحن نتأسى بالإمام نتذكر فيها انه قدم حياته من أجلنا، فماذا قدمنا للحسين ، وماذا سوف نقدم من اجل رضا الامام، فأصحاب الحسين اهتموا بأنفسهم ووصلوا الى تلك المكانة، ولنكن نحن من الاتباع الحقيقيين لنحظى بهذا الشرف والمكانة، خرج الحسين من اجل الامر بالمعروف والنهي عن المنكر، فلتكن محبتنا للحسين تكافل في ما بيننا نرحم ضعيفنا، نكفل يتيمنا، نتحسس فقيرنا، ان تتحسنا علاقاتنا، فالدين المعاملة.

﴿مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد، إذا أشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى .

اذا كانت النية صادقة ان شاء الله وتهيأنا لهذه الأيام حيث نحيي قيم عاشوراء ومعانيها السامية، فلا نكتفي بتجهيز ملابس السوداء وتعليق السواد، وهي من الامور المأجورين عليها، ولا تكن غايتنا درف الدموع فقط مع عظمة الدمعة، بل نرتقي الى قول الله حل وعلا:

﴿ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب

من اعظم الصفات الحميدة ان يكونوا اتباع الامام من المتصفين بالتقوى والورع.

أطفال اليوم شباب الغد ورجال المستقبل، ان نقوم بتهيئتهم لهذه المناسبة وإدخالهم في جو عاشوراء، كلا بأسلوبه وثقافته وطريقته، ان نجيب عن اسألتهم، نريطهم بالإمام ونهضته ومبادئه، ان نزرع في قلوبهم حب الحسين من صغرهم، ان نشرح لهم ما هي عاشوراء، وعظمتها وماذا حدث فيها. فالصغار هم الأساس اذا صلحوا صلح المجتمع وهم في هذا العمر يتقبلون النصح والإرشاد ان نكون لهم قدوة حسنة بحبنا الى الحسين .

عن الريان بن شبيب، عن الإمام الرضا _ في حديث انه قال ياشبيب «إن سرك أن تكون معنا في الدرجات العلى من الجنان فأحزن لحزننا وافرح لفرحنا وعليك بولايتنا، فلو أن رجلا أحب حجرا لحشره الله معه يوم القيامة».

دعاءنا ان تشملنا رحمة من الله تعالى، وان تحظى اعمالنا برضا مولاتنا الزهراء، والقبول من سيد الشهداء، ان نعاهد الحسين ان نسير على خطاه، متمسكين بأهدافه، ان لا يشملنا قول الامام الحسين :

﴿الناس عبيد الدنيا، والدين لعق على ألسنتهم يحوطونه مادّرت معايشهم، فإذا محصوا بالبلاء قل الديانون.

انه اختبار عظيم في ايام عظيمة.