آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 2:48 ص

الندية.. الفوضى

محمد أحمد التاروتي *

التعامل بندية مع الأطراف الأخرى، ليس مدعاة لانتهاج طريق الخصومة، او اتخاذ سياسة الأرض المحروقة، فالعملية ليست صراعا او إظهارا للقوة، بقدر ما تجسد حالة من إثبات الذات، وعدم الخضوع، خصوصا وان التنازل يفهم في كثير من الأحيان كنوع من الضعف، وعدم امتلاك الشجاعة في المواجهة واتخاذ الخيار الصعب، وبالتالي فان التعامل المستقل يقطع الطريق امام الاستغلال غير الإيجابي في جميع المستويات.

الندية تحفظ الحقوق، وتحافظ على العلاقات المتبادلة، نظرا لإدراك كل طرف بالحدود المسموحة، وتجنب الخطوط الحمراء، فالجميع يدرك ردود الأفعال تجاه تجاوز الخطوط المرسومة، مما يشكل ضابطا في مستوى العلاقات الحالية والمستقبلية، وبالتالي فان الندية تضع النقاط على الحروف، فيما يتعلق بالحقوق والواجبات، لمختلف الأطراف، مما يجعل الوضوح سيد الموقف في جميع القضايا، بحيث تقضي على سياسة الربح والخسارة، التي يحاول احد الأطراف فرضها على مستقبل العلاقات، خصوصا وان الشعور بالقوة يدفع باتجاه ممارسة الضغط، للحصول على مزيد من التنازلات، الامر الذي يجعل العلاقة قائمة على مبدأ ”السيد“ و”التابع“، عوضا من اعتمادها على مبدأ الشراكة والتعاون المتبادل.

الشعور بامتلاك القدرات الذاتية، والإمكانيات الكبيرة، احد المحركات لانتهاج السياسة الندية، في التعاملات الخارجية، فالضعيف لا يمتلك الجرأة على اتخاذ مواقف شجاعة، لإعادة التوازن لشكل العلاقات، او وضع مبادئ صارمة في العلاقات على اختلافها، نظرا لافتقاره للأسس والدوافع القادرة، على ممارسة دور الندية مع مختلف الأطراف، وبالتالي فان غياب المحركات الذاتية تدفع للبقاء تحت ظل ”السيد“ على الدوام، وعدم التفكير في الخروج عن التبعية، جراء الإحساس بصعوبة اتخاذ القرار الخاص، مما يجعل مبدأ الندية بعيد المنال في جميع العلاقات الخارجية مع الأطراف الأخرى.

وجود الإرادة الصادقة، وامتلاك استقلالية القرار، والاستعداد لتحمل النتائج، وعدم التنازل امام الضغوط، عوامل أساسية في الوصول الى الندية في التعاملات الخارجية، خصوصا وان الأطراف الأخرى تعمل لمنع انتهاج سياسة الندية، نظرا لإدراك بالتداعيات الكبيرة الناجمة عن إشاعة مثل هذه العلاقات، مما يدفعها لانتهاج جميع الأساليب، والوسائل لوأد التوجه الخاص بامتلاك القرار، وبالتالي الصمود في وجه تيار الضغوط يحدث اثرا إيجابيا على المدى البعيد، من خلال الحصول على الكثير من المكاسب، بما يعيد التوازن للعلاقات، ويصحح الكثير من السياسات السابقة.

سياسة الأرض المحروقة، تمثل احد الأوراق المعتمدة للقضاء على الروح الاستقلالية، او مبدأ الندية في العلاقات الخارجية، فهناك بعض الأطراف تنظر لسياسة الندية، بمثابة الخروج من بيت الطاعة، وسياسة انقلابية، تستوجب الوقوف أمامها بحزم، وعدم التغاضي عنها، مما يدفع لانتهاج سياسة صارمة عبر احراق جميع المراكب، من اجل ممارسة المزيد من الضغوط، وعدم اظهار الرحمة او الليونة، بهدف اخافة الطرف الخارج ودفعه للتراجع، وعدم السير قدما باتجاه ”الندية“، وبالتالي فان اعتماد سياسة الأرض المحروقة ليس مبدأ لتخريب العلاقات، بقدر ما يهدف لتكريس سياسة ”السيد“ و”التابع“.

التمسك بمبدأ الندية لا يقود للفوضى، او قطع العلاقات الخارجية، بقدر يمثل صحوة ضمير في بعض الأحيان، خصوصا وان بعض العلاقات تتطلب وقفة جادة، لإعادة ترتيب الأوراق، عطفا على المعطيات الجديدة على الأرض، الامر الذي يؤسس لمرحلة جديدة مغايرة تماما عن المراحل السابقة، نظرا لوجود تحولات جذرية وبروز تطورات جديدة، مما يفرض اعتماد اليات أخرى في طبيعة العلاقات، بهدف استمرار العلاقات لفترة طويلة، بما يعود على جميع الأطراف بالفائدة، بعيدا عن الاستغلال السيء.

كاتب صحفي