آخر تحديث: 19 / 4 / 2024م - 12:12 م

نظراتٌ على سنة

طافت سنةُ 1440 للهجرةِ سريعاً مثل ظلِّ الطائر، وقريباً تبدأ أخرى، في سنةٍ يولد الكثير ويموتُ الكثير، لكن من يولد أكثر ممن يموت ومن يربح أكثر ممن يخسر. هكذا تستمر الحياةُ في نضالها وكفاحها ضدَّ الموت، وكما يموتُ البشرُ فإن أمانيهم وأحلامهم وتطلعاتهم أيضاً تموتُ، غضةً قبل بلوغها، حينها يكونون حقاً قد ماتوا لكنهم لم يُقبروا!

في كلِّ سنةٍ نضرب لنا مواعيداً مع التغييرِ الذي نحلم أن ننامَ ونصحو وقد تحقق، والشكر للربِّ أن ما يتحقق من أحلامِ البشريةِ أكثر مما يموت، أو يتحطم وينكسر مثل قواريرِ الزجاج، هكذا تسجل الإنسانيةُ جمعاء تقدماً بكليتها وليس فرداً فرداً. نحن في عصرٍ تأتينا النصائحُ من كلِّ مكانٍ كيف يجب أن نكون، وكيف نحقق هذا وذاك، وكأننا آلة يستطيع مشغلها أن يشغلها متى ما شاءَ ويطفئها متى ما شاء. والواقع أننا بشرٌ علينا أن نتلمسَ الطريقَ بأيدينا ويكفي أن نكونَ خيمةً تُظل أو غيمةً تُمطر.

أقول لصاحبي: إنَّ فلسفةَ الحياةِ عندما يرتعش ضوءُ الشمسِ من كلِّ يومٍ: إننا وإن شككنا في الحياةِ والخلود وأنه ليس بأيدينا، فلا يجب أن نشك أن الموتَ بأيدينا. نحن نستطيع أن نموتَ جسداً وروحاً في أي وقتٍ شئنا، لكنَّ موتَ الروحِ أكثرَ إيلاماً وشقاءً من موتِ الجسد، ما يستدعي ألا ندعَ الحياةَ والعمرَ ينساب بين أناملنا. تأتي سنةٌ جديدةٌ، أنا وأنتَ في لياليها الطويلةِ سوف نتأمل الحياةَ في ما لا يشحن عواطفنا أو يهيجَ عقولنا في غيرِ ذي نفع، فمن يبصر الأمورَ اليومَ يرى أن تقلبَ الأحوالِ تكفي عن كثيرٍ من المقال.

على دربِ السائرينَ والمارة في الحياةِ ينبت الفكرُ النيِّر كما يَنبت ويُورق الشعيرُ والحنطةُ المتناثرة من حملِ القوافلِ على جانبي الطريق حين يسقيها المطرُ في الربيع، فليكن إنجازنا المثمر في سيرنا في العامِ الجديد إنبات الفكر ما استطعنا. في أولِ هذه السنة الهجرية يتقاطر الطلابُ نحو مدارسهم ليذكرونَنا بأن أسعدَ أوقاتنا يجب أن تكونَ بين السادسةِ والسابعة صباحاً حين تمتلئ الشوارعُ بالطلاب والعمال يبنونَ الحياةَ لتكون أجملَ وأبهى، أجملهم أولئك الصغار الذين تخفق قلوبهم في أولِ يوم، يمسكونَ طرف ثوب أمهم أو أبيهم خوفاً من مواجهةِ الحياة فرادى، ولكنهم سرعان ما ينامونَ على حلم المدرسةِ في اليوم الذي يليه! هم يجلسونَ على مقاعدِ الدراسة النظامية والبقية يقعدونَ على مقاعدِ الحياةِ التي تفرح لرؤيتهم تلاميذاً صغاراً تؤدبهمْ وتربيهم.

سنةٌ تنتهي وسنةٌ يبزغ فجرها، ربما في هذهِ أو تلك لم نحقق الكثير، ولكن لابد أن تكونَ محصلة ومجموع قوى السنين في أعمارنا رقماً إيجابياً نتباهى به عند ربنا. سنةٌ طافت كان بعضُ أيامها الجرحُ والضمادة وكان بعضها الجرحُ والمِبضع، هكذا هي الأيام! ما يهم أننا في نهايتها ربحناها، وبقينا أحياءَ منتصبي القامة مرفوعي الرأس، نشرب نخبَ نهاية سنةٍ انتهت ونتابع السيرَ في سنةٍ ابتدأت.

مستشار أعلى هندسة بترول