آخر تحديث: 28 / 3 / 2024م - 10:36 م

الإمام الحسين صفحة إنسانية مشرقة

ولكأن الصوت الحسين الحسيني النابض بصوت الإصلاح والدعوة إلى مدرسة قيم العدالة والنزاهة الفردية والمجتمعية من قذارة الفواحش والمنكرات بدعا من أصوات الصلاح الممتدة بامتداد البشرية، أفلم تكن خلاصة رسالة الأنبياء والصالحين في أقوامهم ترتكز على أمرين مهمين: دعوة التوحيد وتقويم الانحراف العقائدي، والأمر الآخر هو صياغة الشخصية الإنسانية وفق القيم الأخلاقية المزكية للنفس ومعتقتها من أغلال الذل للشهوات.

ورسالة الإمام الحسين كانت عين ما دعا إليه الأنبياء من قيم الإصلاح والدعوة إلى إقرار العدالة الاجتماعية، فكما حطم جده المصطفى ﷺ أصنام الوثنية والشرك بالله تعالى وأوثان الفساد والمفاسد الأخلاقية، فكذلك سار السبط الشهيد في رسالته الإنسانية الخالدة، فالأهداف الحسينية تتلخص في احترام كرامة الإنسان وحقوقه والتخلص من ربقة الظلم والاستبداد والاستعباد لأصنام الهوى والفرعونية المتمردة، وهذا مما يؤكد على نبل تلك القيم الحسينية وجعلها مهوى أفئدة الأحرار عبر الأجيال وعلى مستوى مختلف الأديان، فلم يكن الحسين في رمزيته للتفاني والتضحية والشجاعة في المواقف وصوت العدالة إلا صرخة خالدة تعظمها كل الرسالات السماوية.

فالقيم الحسينية محور توحد وتلاحم وتقارب فكري وجامع أخلاقي يوحد مختلف الاتجاهات والتيارات، فعصارة القيم الإنسانية الخالدة الناظرة للشخصية القوية والفاعلة في وجودها وتحركها تنبع مما تحمله من قيم تدعو إلى احترام وجود الإنسان ونبذ كل أشكال استعباده وحرمانه من حقوق الرقي والتقدم، ولذا فإن الدعوة إلى مقارعة الاستبداد والجور بكافة أشكالها تلقى القبول والترحاب والتبني من كل النفوس الأبية الحرة، والتي لا تقر ولا تقبل بحالات حرمان أحد من حقوقه والاستظلال بمظلة العدالة الاجتماعية.

فالإمام الحسين كان واضح الأهداف والخطى ولم تتعد الإطار الإنساني وإقرار وتطبيق العدالة وإعطاء الحقوق، ووقف ذاك الزحف الكبير نحو هيمنة الاستبداد والاستخفاف بالقيم وحقوق الناس وكرامتهم، فالكرامة والعزة الإنسانية التي منحها الباري لعباده تعني الحفاظ على حقوقهم المادية والمعنوية وانعتاقهم من كافة أغلال العبودية والمهانة لأحد، فالظلم واستعباد الناس ناشيء من هوى وشهوات الإنسان الجائر، ولابد لأصحاب النفوس الأبية والمتحررة من ربقة المصالح الضيقة أن تقف بوجهه مستنكرة الانحراف عن بوصلة الحرية والكرامة.

الأمة في عهد الإمام الحسين كانت تعاني من آفات وظواهر سلبية على المستوى الديني والاقتصادي والإنساني، ومجموعة هذه الأزمات تحتاج إلى معالجة ومواجهة هادئة وحكيمة من همم لا يسكن لها قرار ولا تتهرب من مواجهة الموقف الصعب، وهذا بالضبط ما كان من سبط رسول الله ﷺ والذي قيض الله تعالى له أن يكمل مسيرة الإصلاح المحمدي وتوعية الناس بمجريات الأمور والتنبيه على مخاطر الظلم والاستبداد، وما هم عليه من ضعف الإرادة والخلود إلى الاستمتاع بالمشتهيات مع إهمالهم لروح الإسلام وقيمه، ولا يليق بالإنسان المسلم الاستكانة إلى الظلم والاستبداد وتبديد الثروات ومقدرات الأمة، فالإصلاح الحسيني يعمل على مواجهة حالات وظواهر الانحراف والانزلاق نحو الانحلال والتفلت الأخلاقي وتجاوز كل القيم والأعراف.

لقد قدم الإمام الحسين وأصحابه مشهدا فريدا من التضحية والتفاني والهمم العالية والإرادة القوية في أحلك الظروف والحكمة في اتخاذ القرار في واقع بالغ التعقيد والتداخلات؛ ليكونوا نبراسا وقبس هداية وتوجيه في مسار حياتنا وتشكيل مفردات قراراتنا وتصوراتنا للأمور، فالحسينيون السائرون على خط أبي الأحرار تجدهم متحملين لمسئولياتهم فلا يتهربون من مواجهة الاستحقاقات، ولا يستنكفون من مواجهة المواقف بكل شجاعة واقتدار، لا يأبهون من لغة التهديد والترهيب ولا تفت من عزائمهم لغة الترغيب والحرب الناعمة التي تدغدغ المشاعر وتحرك المصالح الضيقة، فكما أن الإمام الحسين وأصحابه ذابوا في الإسلام وقيمه، فلم يكن لهم هم وسعي إلا إبقاء راية مضامينه وتعاليمه عالية في سماء القيم وتهذيب النفس كذلك هم الأحرار في كل زمان.