آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 11:37 ص

مع الحسين

محمد أحمد التاروتي *

شكلت خطبة الامام الحسين اثناء خروجه من مكة المكرمة، رسالة واضحة المعالم للرأي العام، سواء بالمدينة المنورة او مكة المكرمة، كذلك الامر بالنسبة لكافة الخطابات التي نقلت عنه في يوم عاشوراء، فقد ازالت تلك الخطب الكثير من الإبهام، ووضعت النقاط على الحروف، بخصوص الأهداف الحقيقية وراء المسير باتجاه العراق، فهذه الخطب المتتالية التي نقلتها الكتب التاريخية، حملت الكثير من الحقائق، ورصدت الظروف السياسية السائدة آنذاك، وتناولت الواقع الاجتماعية في تلك الحقبة الزمنية،، بالإضافة لكشف التوجهات السياسية لدى بعض الشخصيات الهامة، سواء في المدينة المنورة او مكة المكرمة، بحيث برزت تلك المواقف من النصائح، التي قدمتها تلك الشخصيات للامام الحسين ، بعدم الخروج للعراق او التوجه لليمن او غيرها من الاقتراحات الأخرى.

الخطبة التي القاها سيد الشهداء «ع،» اثناء خروجه من مكة المكرمة، باتجاه ارض العراق، يمكن وصفها بالبيان رقم «1» في مسيرة النهضة، والثورة على حكومة يزيد بن معاوية، فالكلمات التي القليلة التي تضمنتها الخطبة، احتوت على العديد من الأهداف، وكذلك كشف المصير المرتقب للمواجهة الدموية، وبالتالي فان الامام الحسين وضع الجميع امام مسؤولية الاختيار الصعب، الامر الذي تمثل في عزوف الكثير من الجماعات عن الالتحاق بركب الشهادة، نظرا لانكشاف الحقائق وعدم ممارسة التضليل او الخداع، بمعنى اخر، فان خطبة مكة المكرمة شكلت اختبارا حقيقيا، لمدى الاستعداد للتضحية، والصبر على تحمل تبعات الالتحاق، بركب سيد الشهداء .

حرص أبو الأحرار على كشف الحقائق امام الرأي العام، منذ اللحظات الأولى لخروجه من المدينة المنورة، حيث جاءت الإجابة المباشرة والمقتضبة على أسباب اصطحاب الأهل والعيال، ”شاء الله ان يراهم سبايا“، لتكون شاهدا على حالة الحيرة، والارتباك التي اعترت وجوه البعض، جراء حمل النسوة والأطفال في المسير الطويل، مما يعطي دلالة واضحة على وجود خط واضح لدى سيد الشهداء منذ البداية، بهدف احداث هزة عنيفة في ضمير الأمة الإسلامية، ومحاولة ايقاظ المجتمع الإسلامي من السبات العميق، فالخطر الذي يمثله يزيد على الأمة الإسلامية كبير للغاية، الامر الذي يستدعي التحرك لايقاف مسلسل الانحراف في مسند الخلافة الإسلامية.

استخدام الامام الحسين عبارة الموت، في خطبته قبيل خروجه من مكة المكرمة باتجاه العراق، يمثل قمة الشفافية مع الرأي العام الإسلامي، فالتحرك محفوف بالمخاطر الكبيرة، ”خُطّ الموتُ على ولدِ آدم مخطّ القِلادةِ على جِيدِ الفتاة، وما أولَهَني إلى أسلافي اشتياقَ يعقوبَ إلى يوسف،“ وبالتالي فان الاطماع الدنيوية التي تحرك مشاعر البعض ليست واردة على الاطلاق، مما يعني ان المناصرة تتطلب التضحية بالدرجة الأولى، خصوصا وان البعض يحاول ركوب الموجة طمعا في الدنيا، والحصول على المناصب.

تسلسل الخطبة القصيرة يعزز الاعتقاد بوجود حقيقة دامغة في نهاية المسير الحسيني، فالكلمات تكشف ان الشهادة المصير المحتوم، وان توطين النفس على الفداء، امر مطلوب لكل شخص يلتحق بالركب الحسيني ”وخُيّر لي مصرعٌ أنا لاقيه، كأنّي بأوصالي تُقطّعُها عسلان الفلوات بين النواويسِ وكربلاء، فيملأنّ منّي أكراشاً جوفاً، وأجربة سغباً“.

خطبة الامام الحسين القصيرة في مكة المكرمة، فتحت الباب امام كل من يرغب في نصرة الحق، والوقوف امام الظلم، بحيث تسقط جميع الحجج والمبررات امام التاريخ، مما يقطع الطريق امام المزايدات التي تخرج هنا وهناك، الامر الذي يفسر حرص سيد الشهداء على إلقاء الخطب في الكثير من التجمعات الكبرى، لالقاء الحجة على الأمة الإسلامية "مَن كان باذلاً فينا مهجتَه، وموطِّناً على لقاءِ الله نفسه، فلْيَرْحل معنا، فإنّي راحلٌ مُصبحاً إن شاءَ الله".

كاتب صحفي