آخر تحديث: 20 / 4 / 2024م - 2:34 ص

مع الحسين ”2“

محمد أحمد التاروتي *

الموقف الواضح والصريح الذي اتخذه سيد الشهداء ، منذ اللحظة الأولى لوصول خبر موت معاوية بن ابي سفيان، لا يدع مجالا للشك في اتباع منهج واضح، لمقاومة انحراف الخلافة الإسلامية، خصوصا وان الطريقة المتبعة لتولي مسند الخلافة تتناقض مع السيرة السابقة في اختيار الخليفة، حيث اتجهت الخلافة للوراثة عوضا من الاليات السابقة، منذ انتقال رسول الله ﷺ للرفيق الأعلى، فضلا عن كون السيرة الذاتية ليزيد بن معاوية، لا تؤهله لاحتلال منصب الخلافة.

تكشف الموقف المعارض للبيعة فوره استدعاء، والي المدينة المنورة الوليد بن عقبة للامام الحسين، وذلك في أعقاب وصول خطاب يزيد بن معاوية لأخذ البيعة من الحسين، وعبد الله بن عمر، وابن الزبير، وعدم السماح لهم بالتأخير ولو لحظة واحدة، حيث رفض سيد الشهداء إعطاء البيعة عبر الموقف الواضح، وغير الموارب على الاطلاق، بقوله: «مثلي لا يبايع سراً فإذا خرجت غداً إلى الناس ودعوتهم لها أرجو أن يكون أمرنا واحداً».

لم يكتف سيد الشهداء بعدم الرضوخ، لطلب يزيد بن معاوية بالبيعة، وانما وقف امام التهديد الصادر من مروان بن الحكم، بعد رفضه البيعة في مجلس والي المدينة المنورة، حينما وجه كلامه القوي لمروان بن الحكم «يا ابن الزرقاء أنت تأمر بضرب عنقي كذبت ولؤمت» وذلك ردا على تحريض مروان بن الحكم لوالي المدينة المنورة الوليد بن عقبة حينما قال ”لأن فارقك الحسين الساعة ولم يبايع لا قدرت منه على مثلها حتّى تكثر القتل بينك وبينه ولكن احبسه فان أبى ولم يبايع فاضرب عنقه“.

الموقف الواضح والقوي لأبي الأحرار ، بعد موت معاوية بن ابي سفيان، يمثل صرخة مدوية في ضمير الأمة الإسلامية، خصوصا وان الاثار المترتبة على استلام يزيد بن معاوية زمام الأمور، ليست خافية على الجميع، فالجميع يعرف السلوك غير السوي ليزيد بن معاوية، مما يشكل ضربة قوية على مستقبل الأمة الإسلامية، الامر الذي يتطلب الموقف الرافض لإعادة الأمور لنصابها، والحيلولة دون السير بالأمة نحو الهاوية والضياع، اذ يمثل قول الامام الحسين لوالي المدينة المنورة الوليد بن عقبة بيانا صريحا وواضحا، تجاه تولي يزيد بن معاوية مقاليد السلطة، والتسلط على رقاب المسلمين، حينما قال «أيّها الأمير انّا أهل بيت النبوّة ومعدن الرسالة ومختلف الملائكة بنا فتح الله وبنا ختم ويزيد فاسق فاجر شارب المخمور وقاتل للنفوس المحترمة ومستحلّ لجميع الحرمات ومثلي لا يبايع مثله».

رفض الامام الحسين البيعة ينبع من التداعيات المستقبلية، لعملية السكوت على خروج الخلافة الإسلامية عن المسار السليم، فالتغاضي عن يصيب الأمة الإسلامية بمقتل، ويفتح أبواب جهنم على المجتمع الإسلامي، مما يستدعي النهوض في وجه الانحراف، وعدم المهادنة او المداهنة على الحق، ”أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر أو أمير جائر“، وبالتالي فان التحرك الرافض للانحراف، يسهم في توجيه رسالة قوية للامة الإسلامية، بضرورة اظهار الموقف الصريح، وعدم الركون للسكوت، نظرا لتداعياته على مستقبل المجتمع الإسلامي.

تسلسل الاحداث في النهضة الحسينية يكشف وجود منهجية واضحة، لدى سيد الشهداء تجاه التحولات الخطيرة، التي تشهدها الأمة الإسلامية، مما يتطلب وضع الأمور في الاتجاه الصحيح، لإعادة رسم الصورة بما يحفظ الدين، ويعرقل الخطط المرسومة، لاحداث انحرافات جوهرية، لدى المجتمع الإسلامي، بمعنى اخر، فان الموقف الصريح والواضح منذ اللحظات الأولى، شكل عنصرا أساسيا لسياسة تكميم الأفواه، التي حاولت السلطة ممارستها، عبر استخدام السيف كوسيلة لضمان السكوت.

كاتب صحفي