آخر تحديث: 23 / 4 / 2024م - 12:09 م

مع الحسين «7»

محمد أحمد التاروتي *

وضع سيد الشهداء مبدأ المكاشفة كأسلوب ثابت ومستمر، بمختلف محطاته العديدة التي توقف عندها، خلال مسيرته نحو ارض العراق، خصوصا وان قسما ممن التحق بركب الامام الحسين طمعا في المناصب الدنيوية، الامر الذي تكشف بصورة واضحة في منطقة ”زبالة“ التي توقف عنها، حيث اتاه خبر استشهاد بعض الاصحاب الثقاة في الكوفة، منهم عبد الله بن يقطر، وكذلك هاني بن عروة، فضلا عن خذلان مسلم بن عقيل، فالكتب التاريخية تتحدث عن انصراف اعداد كبيرة، بعد وصول خبر استشهاد مسلم بن عقيل في الكوفة.

السير على بصيرة واضحة الهدف الأساس، وراء مكاشفة سيد الشهداء ، جميع أصحابه في جميع المحطات، بالإضافة لتوطين الذات على مواجهة المصاعب التي تنتظر الامام الحسين خصوصا وان ركب الامام الحسين واجه الكثير من المخاطر، منذ خروجه من المدينة المنورة، وكذلك محطة مكة المكرمة، لاسيما وان المشروع الحسيني يتطلب وجود انصار قادرة على استيعاب الدور، وعدم التحرك طعما في الدنيا، مما يستدعي اجراء الاختبارات العديدة للتعرف على المدن الأصيل، وعدم الاعتماد على عناصر تتراجع في اللحظات الأخيرة، وتخذل عند الوثبة.

الاختيار الذاتي عملية ضرورية في تحمل مسؤولية حتى النهاية، فالاجبار لا يقود الى النتائج الإيجابية، بقدر ما يحدث حالة من الخذلان في اللحظات الحاسمة، فالمرء بامكانه تحديد موقفه وفقا للمبادئ التي يحملها، والرسالة التي يرفعها في الحياة، لذا فان الامام الحسين سعى لايجاد المبررات سواء للاصحاب او اهل بيته ”فمن أحب منكم الانصراف فلينصرف في غير حرج ليس معه ذمام“، من اجل احداث الصحوة ذاتية قادرة على الصمود، في وجه النوازع الشيطانية، التي تحض على التشبث بالحياة، وعدم الاقدام على الموت طواعية، وبالتالي فان المكاشفة الواضحة للامام الحسين قادرة، على وضع قواعد ثابتة في عملية النصرة، وعدم التراجع على الاطلاق.

الأنصار يمثلون عنصرا أساسيا في عملية النهوض، والسير في المشروع حتى النهاية، خصوصا وان القيادة تتطلب وجود عناصر بإمكانها ترجمة الأفكار، والتضحية بالمال والنفس، الامر الذي يفسر حرص القيادات على الدوام في استقطاب العناصر، واختبار مدى الولاء، من اجل الاعتماد عليها لتحقيق الأهداف المرسومة، حيث شكل الأنصار في كربلاء حالة فريدة من نوعها في التضحية والفداء، وعدم الزعزع رغم وجود جيش جرار بقيادة عمر بن سعد ”فإني لا أعلم أصحابا أوفى ولا خيرا من أصحابي، ولا أهل بيت أبر ولا أوصل من أهل بيتي فجزاكم الله عني خيرا“.

أخرج الامام الحسين كتابا في موضع زبالة فقرأه على الناس الملتحقين بركبه، حيث حاء فيه ”«اما بعد فانّه قد اتانا خبر فظيع قتل مسلم بن عقيل وهاني بن عروة وعبد اللّه بن يقطر وقد خذلنا شيعتنا فمن أحب منكم الانصراف فلينصرف في غير حرج ليس معه ذمام»، فالكتاب يكشف المصير الذي ينتظر كل من يستمر في قافلة سيد الشهداء“ ع "، الامر الذي شكل صدمة كبرى لدى الكثير من الناس، حيث تفرق الغالبية ولم يتبق سوى أصحابه الذين جاءوا معه من المدينة ونفر يسير ممّن انضموا إليه.

يدرك الامام الحسين وجود الاطماع الدنيوية لدى الكثير من الاعراب، وليس الهدف من وراء الالتحاق بالقافلة الاستعداد للتضحية، او الايمان بالمبادئ التي اعلنها منذ رفض البيعة ليزيد من معاوية، مما يستدعي التمحيص والغربلة على الدوام، باعتباره حالة ضرورية وطبيعية في مختلف التحركات، سواء الصغيرة او ذات البعد الاستراتيجي على الصعيد الديني، او الاجتماعي او غيرها من الأصعدة المختلفة.

كاتب صحفي