آخر تحديث: 20 / 4 / 2024م - 3:27 م

الفشل.. المكابرة

محمد أحمد التاروتي *

التعرض للفشل امر طبيعي، في الكثير من الممارسات الحياتية، فالنجاح يتطلب الكثير من الصبر، وتحمل تبعات الإخفاقات، خصوصا وان المرء يتعلم من العثرات للوصول للطريق السليم، ”في التجارب علم مستحدث“، فالتجربة الحياتية تمثل مدرسة عملية، لتجاوز الكثير من المصاعب، التي تعترض الطريق، مما يسهم في اثراء المعرفة الشخصية، من خلال اكتساب الاليات المناسبة، لتحقيق النجاحات في مختلف الأصعدة، سواء على الصعيد الشخصي او الاجتماعي.

الانسحاب من المواجهة بمجرد التعرض للفشل، يقضي روح الإرادة الصلبة لدى الانسان، لاسيما وان البعض لا يتحمل تبعات الخسارة، والفشل على الصعيد النفسي، الامر الذي يدفعه لانتهاج طريقة التواري للخلف، وعدم مواصلة المشوار حتى النهاية، مما ينعكس سلبيا على المستقبل الشخصي في الساحة الاجتماعية، وبالتالي فان الخروج من تداعيات الفشل يتطلب التحلي بروح التحدي، والصمود في وجه جميع الإخفاقات في المسيرة الحياتية.

دراسة أسباب الفشل عملية ضرورية، لتجاوز التجربة المرة او غير الموفقة، لاسيما وان البقاء في اطار الفشل دون الالتفات الى الأسباب، يكرس الوضع البائس على الصعيد الشخصي، مما يتطلب الكثير من التوقف امام التجارب الفاشلة، لاكتشاف العبر ومحاولة صياغة وسائل قادرة، على تحويل الفشل الى طريق النجاح، فالعملية ليست صعبة على الاطلاق بقدر ما تتطلب التحدي، وعدم الاستسلام، نظرا لما يمثله الشعور بالفشل من تدمير للذات، والدخول في دوامة من المعاناة، والكثير من الاحباطات.

المشكلة التي تواجه البعض تتمثل في المكابرة، مما يحول دون تجاوز محنة الفشل، لاسيما وان الاعتراف يمثل البداية الحقيقة، للانطلاق نحو مشوار النجاح، الامر الذي يشكل نواة لزراعة مشروع البناء الناجح، خصوصا وان العديد من الإخفاقات تتطلب بعض التنازل، لاحداث تحولات حقيقية باتجاه تصحيح المسار، وعدم السير بالطريق الخاطئ، ”هلك من ليس له حكيم يرشده“ وبالتالي فان المكابرة احدى الامراض القاتلة في المسيرة الحياتية.

المكابرة تتولد نتيجة الشعور التضخم الذاتي، حيث يحاول إخفاء الفشل بطرق مختلفة، فالاعتراف لدى هذه الشريحة بمثابة ”مقتل“، وسقوط مدوي في البيئة الاجتماعية، مما يدفعه لممارسة الكثير من العناد، في سبيل إخفاء بعض العثرات، الامر الذي يفسر إصرار البعض على السير في الطريق الخاطئ حتى النهاية، نظرا لوجود مكابرة داخلية تجاه الاعتراف بالفشل، تجاه بعض القرارات الخاطئة.

اللجوء الى المكابرة مرتبط بالتربية أحيانا، والعزة بالاثم أحيان أخرى، فالبعض يشعر بحالة من الترفع عن الاخرين، مما يدفعه لعدم التنازل تجاه بعض الممارسات الخاطئة، الامر الذي يتمثل في رفض مختلف الاقتراحات، والنصائح لاعادة ترتيب الخيارات، مما يفقده القدرة على رسم الأولويات اللازمة، وكذلك الحرمان من الفوائد المرجوة من وراء الاستفادة من تلك الاقتراحات والنصائح،، وبالتالي فان ”العزة بالاثم“ تدفع باتجاه الرفض الكامل لمعالجة الأوضاع، بما يرسم خارطة طريق قادرة على النهوض مجددا، وتجاوز مشكلة الفشل باقل الخسائر.

الفشل والمكابرة مرضان يقودان الى الهاوية، فالمرء العاقل الذي يتعلم من الأخطاء، ويتحرك باتجاه الاستعانة من التجارب، والخبرات الناجحة، الامر الذي يساعد في تجاوز الكثير من المصاعب، والتحديات الحياتية، وبالتالي فان المرء بحاجة الى بعض التنازل للوصول الى النجاح، وعدم التوقف امام المحطات الفاشلة على الاطلاق، لاسيما وان المكابرة تدفع باتجاه الانغماس الكامل في بحر الفشل، وعدم القدرة على الوصول الى شاطئ النجاح على الاطلاق.

يبقى الفشل حالة طبيعية وليس امر استثنائيا في مختلف الممارسات الحياتية، فالكثير من الاعمال تبدأ بالفشل الذريع سرعان ما تتحول الى نجاحات، نظرا لتحويل الإخفاقات الى وقود باتجاه النجاح.

كاتب صحفي