آخر تحديث: 28 / 3 / 2024م - 7:46 م

فاقد الشيئ لا يعطيه

ياسين آل خليل

نحن نعيش في وقت بات فيه التوتر سيد الموقف. موقف حوّل حياة البشر الى تجربة حرجة معاشة يتداولها العديد من الناس معظم أوقاتهم. الحياة لم تعد سهلة في طبيعتها، بل محمومة بالضغوط النفسية التي تحيط بالفرد من كل حدب وصوب. بين ليلة وضحاها صار الفرد من المجتمع مبرمج بطريقة أو بأخرى للاستجابة لاحتياجات الآخرين، حيث لا يمكنه قول ”لا“، وإلا تحول في نظر الكثيرين من أبناء جلدته الى شخص أناني، لا يعنيه في هذه الدنيا سوى نفسه.

الحياة عندما يكون فيها العطاء متبادلًا، فإنها تكون أكثر وفاء وتوازنا. فكرة الرعاية الذاتية بالنسبة للبعض لا تتعدى كونها محض أنانية، فيما يختلف البعض الآخر مع هذه الرؤية، وينظرون إليها على أنها نظرة قاصرة تحتاج الكثير من الوعي المجتمعي والإدراك الفكري.

دعونا نتوقف لبرهة ونطرح على أنفسنا بعض الأسئلة: لماذا حاجتنا لإرضاء الآخرين، تفوق ما نمنح لأنفسنا من رعاية واهتمام أضعافا مضاعفة؟ لماذا يصر البعض على مواصلة غفلته، على حساب أن تكون لديه الجرأة في أن يتصالح مع ذاته ويسألها عن الكيفية العاطفية التى مرت بها في يومها هذا أو غيره من الأيام؟ بمعنى آخر، لماذا لا نقترب أكثر من أنفسنا، لنتعرف على حاجياتها المأدية والعاطفية؟

نحن لا يمكننا قول ”نعم“ لأنفسنا، إذا كنا نفتقر إلى الشجاعة الأدبية لقول كلمة ”لا“ للآخرين. هناك فرق شاسع بين الأنانية والرعاية الذاتية. كل منا له حق ممارسة الرعاية الذاتية تجاه نفسه ودون أن يحصل على ضوء أخضر من أي كائن كان.

تنظيم أولوياتك هو أمر يخصك وحدك. ما لم تتمكن من العناية بنفسك أولًا، ستكتشف ولو بعد فوات الأوان أن عطاءك لم يكن نابعا عن قناعة أو رضا، إضافة لما يخالط نفسك من استياء، وكأنما قمت بذلك العمل مُجبرا ودون موافقتك المبدئية.

جميعنا لسنا متساوون في احتياجاتنا المادية والعاطفية، ولدينا تطلعات اجتماعية وثقافية متفاوتة. وصولك إلى

مرحلة القناعة التامة بالعناية بذاتك قد يستغرق بعض الوقت، لكن بمجرد اقترابك من نفسك أكثر واستشعار حاجياتك اليومية، تكون قد قطعت شوطا مهمًا تجاه عنايتك بنفسك. المقولة المتداولة بأن فاقد الشيء لا يعطيه هي مصداق لما أردت أن أوصله لك عزيزي القارئ بأهمية أولوية العناية الذاتية، قبل الالتفاتة لحاجات الآخرين، وإن باتت حاجتهم أمرا لا يمكننا غض الطرف عنه لكونه أحد الركائز الأساسية لمجتمع يسعى للتكافل ورص الصفوف نحو مستقبل مجتمعي أفضل.