آخر تحديث: 25 / 4 / 2024م - 7:06 م

المشاكسة.. الأغراض

محمد أحمد التاروتي *

يمارس البعض سياسة المناكفة والمشاكسة، تجاه الأطراف الأخرى، من خلال استخدام العواطف والمفردات الرنانة بغرض الاسقاط والاستفراد بالساحة والقضاء على الخصم، ”كلمة حق يراد بها باطل“، اذ يحاول استغلال كل هفوة او سقطة لتوجيه الضربة القاضية، عبر استخدام وسيلة التضخيم المتعمد، وتسخير جميع الإمكانيات، لتسليط الضوء على تلك الأخطاء الصغيرة، او محاولة تحوير بعض المفردات، وإخراجها عن السياق الطبيعي، بهدف احداث ضجة اجتماعية وتأليب الرأي العام، الامر الذي يحقق الأغراض المرجوة من التركيز على تلك الممارسات، او الأخطاء غير المقصودة.

وجود التنافر المتبادل عنصر أساسي، في وضع جميع تصرفات الأطراف تحت المجهر، بحيث يحاول كل طرف اقتناص الفرصة، لاصطياد بعض الأخطاء بطريقة غير شريفة، نظرا لادراك كل الأطراف، بضرورة البقاء على اهبة الاستعداد للبقاء في الساحة، وعدم اتاحة الفرصة للطرف المقابل لالتقاط الانفاس، او تسجيل بعض النقاط على حسابه، الامر الذي يفسر الحروب الخفية وأحيانا المعلنة، تجاه تصرفات كل طرف تجاه الاخر.

الافتقار لأدب الاختلاف احد ابرز الإشكالات، في العديد من الاختلافات، فالبعض يستخدم جميع الوسائل المشروعة، وغير المشروعة في الصراع القائم، اذ يعمد للاستعانة ب ”الشيطان“ في سبيل تحقيق الانتصار، والحاق الهزيمة بالخصم، مما يخرج الاختلاف من السياق الطبيعي، بحيث يبرز على شكل اطلاق الاتهامات، ونشر الشائعات، بهدف احداث فجوة في جدار الثقة، مع البيئة الاجتماعية، لاسيما وان الاختلاف القائم على الأسس المشروعة، لا يصب في مصلحة احد الأطراف، مما يدفعه لانتهاج سياسة مغايرة لاحداث صدمة كبرى، وتكريس واقع جديد في الصراع القائم.

محاولة احد الأطراف استخدام ”العاطفة“، لكسب التعاطف الاجتماعي، احد الأساليب المعروفة في العديد من الخصومات، بحيث يحاول التلاعب بالالفاظ، واستخدام المفردات العاطفية، لاستقطاب شرائح اجتماعية، الامر الذي يفسر الاستعانة بالشخصيات ذات التأثير الاجتماعي، من اجل ممارسة الخداع، والتأثير على المجتمع بطريقة مباشرة، او غير مباشرة، فالاتهامات متعددة ومختلفة، فتارة تكون خارجة عن التقاليد الاجتماعية، وأخرى تصب في مصلحة الأعداء، وثالثة مستوردة وغريبة عن الثقافة الاجتماعية، وبالتالي فان التلاعب بالعواطف الاجتماعية، تشكل احد الوسائل في إدارة الصراع مع الخصوم.

الخلافات ليست جديدة في السلوك الإنساني، فالعلاقات الشخصية معرضة للاهتزاز على الدوام، نتيجة اختلاف المصالح وكذلك بسبب تباعد وجهات النظر، في مختلف القضايا، بيد ان تضخيم الاختلافات بطريقة غير أخلاقية، يقطع الطريق امام تقريب وجهات النظر، نظرا لمحاولة كل طرف الدفاع عن مصالحه وأغراضه الخاصة، مما يكرس حالة العداء، ويقضي على محاولات التقريب بين مختلف الأطراف.

استخدام أسلوب المشاكسة، ينطلق أحيانا من الضعف تجاه مقارعة الحجة لدى الطرف الأخرى، بحيث ينعكس على فقدان القدرة على المجاراة بالطريقة الطبيعية، الامر الذي يدفع لمحاولة الاستفادة من الأخطاء الصغيرة، للالتفاف على فشل المواجهة المباشرة بطريقة سليمة، وبالتالي فان المشاكسة لعبة ”الفاشل“ في أحيانا عديدة، فهي وسيلة ليست مضمونة النتائج، بقدر ما تمثل وسيلة للخروج من مأزق الفشل، وعدم القدرة على إدارة الخلاف، بطريقة منهجية ومشروعة.

الحصول على النتائج المرجوة من وراء ”المشاكسة“، قد تكون مؤقتة وليست دائمة، اذ سرعان ما تنكشف الحقائق امام الجمهور، مما يحدث صدمة كبرى نتيجة استخدام ”المفردات“ العاطفية، في صراع يحمل صبغة شخصية، وليس مرتبطا بالشأن الاجتماعي في الغالب، الامر الذي يسهم في ردود أفعال، ليست في صالح أصحاب لعبة ”المشاكسة“ بالمطلق.

كاتب صحفي