آخر تحديث: 28 / 3 / 2024م - 9:08 م

العلاقة الروحية بصاحب الزمان

ورد عن الإمام الصادق : إن من يدعو لقائمنا فإنه يدعو له، وطوبى لمن دعا له إمام زمانه» «مكيال المكارم ج 2 ص 54».

أي علاقة تلك التي يدعو لها الإمام الصادق بين المؤمنين السائرين على خط الولاية والتقوى وبين إمام زمانهم، والذي يتطلعون إلى انفراجة كربهم على يديه بتلك النهضة الإصلاحية التي يشيد دعائمها بعد ظلمة من الفساد والانحراف؟

أولا: لنحرر معنى الدعاء ومن ثم ننطلق نحو مضامينه وفوائده التي تكسو شخصية المؤمن بتلك النفحات، فالدعاء له يتم من خلال تلك الأدعية الواردة كدعاء الفرج «اللهم كن لوليك..» ودعاء الندبة ودعاء العهد وغيرها، والتي تحمل مجموعة من التوجيهات نحو الاستعداد والتهيؤ للظهور المبارك، من خلال تقوية العلاقة بالله تعالى والمحافظة على الواجبات وتنزيه النفس عن رجس الشهوات والأهواء، فالاستقامة مطلب رئيسي ومقوم مهم لشخصية الممهد لظهوره المبارك، وبدونها ينحرف المرء نحو الالتصاق بزينة الدنيا وطلب نعيمها الزائل، وذلك لأن الدعوة الإصلاحية المناهضة للجور والفساد حينها لا تصب في قناة منافعه الشخصية، فإن من صفات المعادين لأولياء الله تعالى هو لهثهم خلف الشهوات مما يصنع خطوطا تقاطعية مع دعوة الإصلاح، فمعاداة الأولياء لا تنشأ من عامل العمى الفكري فقط ولكنها قد تصدر ممن يبصر الحق ولكنه لا يستطيع اللحاق بركبهم، لما تمثله تلك الخطوة من استحقاقات أهمها الخوف من الله تعالى والتضحية بشيء من وقته وجهده في سبيل نشر راية الخير والصلاح، وهذا ما لا يتوفر عند طلاب الدنيا.

وهذا الدعاء لصاحب الزمان لون من ألوان التهيؤ وتحقيق متطلبات الانتماء لركبه الإصلاحي والذي يبدأ من إصلاح المرء لنفسه، إذ كيف يتصور الانخراط والانتماء لحركة نشر العدالة ممن يمارس الظلم في محيطه الأسري والاجتماعي؟

كما أن الدعاء للإمام المنتظر يعني رقابة ومتابعة لمجريات مواقفه ومنطقه في اتجاهها، فإن صدور الخطايا منه يبعده في كل يوم خطوة عن مسار حركة العدالة والإصلاح المهدوي، فالتزامه بالقيم الدينية والأخلاقية هو المؤهل الرئيسي له ليكون من المنتظرين الحقيقيين، والدعاء للإمام المصلح هو تذكير وتنبيه للمؤمن بمحاسبة نفسه وتبصر ما يصدر منه.

وفي مقابل هذه العلاقة الروحية التي يحذو بها عشق المؤمن لإبصار الإشراقة المهدوية، هناك استجابة من الإمام وبسط لنفحات حنانية منه تتمثل في الدعاء في مواطن الإجابة وفي مناجاته ليكون الداعي له ممن يخصهم بدعائه، وهم أولئك الذين تنبض قلوبهم وتلهج ألسنتهم وتتوق أنفسهم لتلك الطلة الرشيدة، وهذا من مقامات التكريم والمجازاة بالإحسان لمن يذكرونه في يومهم وليلتهم، فقد تعلقت أرواحهم الطاهرة برؤية تلك اللحظة التي تنكسر فيها شوكة الظلم والاستبداد والفساد، وتشرق الأرض بنور ربها وتهيمن روح الإيمان والطاعة للرحمن، وتستيقظ النفوس من سبات الغفلة وتتحرر من قيود الشهوات، وتعلي قيمة عقولها وإرادتها فتؤثر ما يتوافق مع الفطرة من بسط العدالة وحفظ الحقوق.

ويختم الإمام الصادق بالتهنئة بالفوز المبين لمن يدعو له إمام زمانه ويخصه بالذكر، فإنها منزلة عظيمة تستحق من المؤمن السعي وبذل الجهد في سبيل تحصيلها والبلوغ إليها، فإن الأماني والعلاقة العاطفية المجردة التي لا يستتبعها العمل الحثيث تكون عقيمة النتائج من جهة الانضمام لزمرة الممهدين، فهذه الثمرة اليانعة والجائزة السنية لا يستحقها إلا أولئك المؤمنين الذين جعلوا همتهم ومركزية حركتهم نحو رضا محبوبهم عز وجل المتمثلة برضا أوليائه الساعين لنشر حركة التوحيد والنزاهة الأخلاقية، وأما من كان قلبه مع إمام زمانه وعمله باتجاه تحصيل رضا نفسه المتولعة بالأهواء والشهوات فلا يمكنه أن يمني نفسه بالخصوصية المهدوية في الدعاء، إذ أنها هبة الإمام لمن استغرقت أوقاتهم ومض الفكر واستقام عملهم.