آخر تحديث: 20 / 4 / 2024م - 2:34 ص

زينب (ع) لم ترى إلا جميلا

عبد الرزاق الكوي

كان لزينب دور عظيم قبل وفي كربلاء وبعدها، واصلت المسيرة الخالدة حيث كان لها الدور الفعال في إكمال الخط الرسالي الذي بدأه جدها صلى الله عليه واله، وسار على هذا الدرب أمير المؤمنين، ودافعت عنه فاطمة الزهراء، وتمسك بهذا المنهج الامام الحسن والى كربلاء الامام الحسين واستشهاده، وصولا الى العقيلة زينب وهي تقارع وحيدة في ساحات الجهاد، الا من الإيمان الراسخ والعقيدة الصادقة والمورث من الشجاعة لهذه الاسرة الإيمانية، فقد كانت تمتلك من الصلابة وقوة العزيمة في نقل نهضة الامام الحسين الى قصور الظالمين وتفضحهم بما تملك من صمود وفصاحة وبلاغة، رغم جراح مصيبة وفاجعة كربلاء التي تهد الجبال من قساوتها وإجرامها.

العقيلة زينب تسير على خطى الحسين القائل: «لم اخرج أشرا ولا بطرا ولا ظالما ولا مفسدا، إنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي ما استطعت، أريد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر».

كان هذا المبذأ الذي خرج من اجله الامام الحسين ، وهذا مسار الرسالة من قبل الله جل وعلا الى نبي الأمة، وهذا ماسارت عليه بطلة كربلاء زينب ، ليبقى الاسلام وتبقى نساء المسلمين عفيفات.

فلا غرابة من عظمة هذه الشخصية الفدة فالجد محمد والأب علي والام فاطمة ، تجمعت وتجلت وبرزت فضائلهم في البنت العظيمة زينب ، خاض جدها صلى الله عليه واله وأبيها وإخوتها الحروب والمعاناة والفتن والقساوة فكان معهم الصحابة الصادقون للرسالة يدافعون عن الرسول ومن بعده الامام علي والقلة القليلة مع الحسن والحسين ، والعقيلة زينب بعد كربلاء في الكوفة والشام تدافع وحيدة كالطود الشامخ عن بنات رسول الله ورسالته في وجه من أراد طمس معالم الدين الحنيف.

قالت في مجلس بن زياد بشموخ وشجاعة: «الحمد لله الذي أكرمنا بنبيه محمد صلى الله عليه واله وطهرنا من الرجس إنما يفتضح الفاسق ويكذب الفاجر وهو غيرنا يا ابن مرجانة»

وتوجه كلامها إلى المتخاذلين عن نصرة الامام الحسين بعد ما دعوه للحضور للكوفة:

«ويلكم أتدرون أي كبد لرسول الله صلى الله عليه واله فريتم، وأي عهد نكثتم، وأي كريمة له ابرزتم،؟ وأي حرمة له هتكتم؟ وأي دم له سفكتم؟ لقد جئتم شيئا إذّا تكاد السماوات يتفطرنا منه وتنشق الارض وتخر الجبال هذّا».

بينت الحقيقة في عقر دار بن زياد وما عرف عنه من قساوة وغلظة، وعرفت الحاضرين ان خصمهم النبي في ما جرى على سبطه وبناته، وان القران الكريم وكتاب الله جل وعلا طهرهم من الرجس، وهم خدلوهم، والأهم في كل ذلك بينت مكانة وشخصية بن زياد واصله المعروف ببيوت الرايات، وبكل شجاعة ابكت الجبناء من اهل الكوفة الذين تخلوا عن نصرة الدين وركنوا للظالمين.

في غاية التحدي والقوة تواصل العقيلة كلمات من نور فتقول في مجلس بن زياد: «ما رأيت الا جميلا، أولئك قوم كتب الله عليهم القتل فبرزوا إلى مضاجعهم وسيجمع الله بينك وبينهم وتختصمون عنده وستعلم لمن الفلج ثكلتك امك يابن مرجانة».

بعد ردها القوي وفضحه بمرجانة ونسبه، هم ان يضربها بقضيب، كلمات عظيمة تنم عن الشجاعة وقوة الإيمان بالدور المنط بها، زعزعت فيه جبروت بن زياد امه مرجانة وامها فاطمة الزهراء سيدة مساء العالمين، برزت عظمتها وصغر مكانته بما يملك من سلطة ومظاهر القسوة التي أرعبت قلوب اهل الكوفة، زينب ، تقول ان السير على خط الرسول هو ما سار عليه امير المؤمنين والحسن والحسن واستشهدوا في سبيله، من اجل الحق وعظمة الدين وفضح الباطل وجمال الخاتمة ان يفدي سبط الرسول بنفسه الزكية.

فكما كانت صوت الحق في الكوفة واصلة المسيرة الظافرة، بيقين ثابت وخطوات شجاعة تفضح ابناء الطلقاء وما قاموا به بأعظم جرائم التاريخ ليس فقط بقتل عثرة الرسول بل تمزيق الاجساد وتقطيع الرؤوس واخد بنات رسول الله صلى الله عليه واله سبايا من باد إلى بلد.

ينشد يزيد لهذا النصر فرحا بقتله سبط الرسول:

ليت اشياخي ببدر شهدوا جزع الخزرج من وقع الأسل

واستهلوا فرحا وقالو يايزيد لا تشل

لعبت هاشم بالملك فلا خبر جاء ولا وحي نزل

وهو منحنيا على ثنايا أبي عبدالله يضربها بقطيب فترد :

«ستردنا وشيكا موردهم وتودن أنك شللت وبكمت ولم تكن قلت ما قلت وفعلت ما فعلت».

واصلت مسيرة البطولة والاباء رفعت اللثام عن الوجه القبيح لابناء الطلقاء تهز فيه اركان بيت هو أوهن من بيوت العنكبوت تسلح بالقوة المادية وبعض المتملقين ودعاة السلاطين من اجل اخفاء عوراته واستمرارية محاربته للدين، فتقول بكل شجاعة: «كد كيدك وأسعى سعيك وناصب جهدك، والله لن تمحوا ذكرنا ولا تميت وحينا ولا تدرك أمدنا وهل رأيك إلا فند وجمعك إلا بدد وايامك إلا عدد».

فضحت الزيف والضلال وقفت كما وقفت أمها، ودافعت كما دافع ابوها عن حماية الدين وقامت بالدور الذي قدم الامام الحسين حياته فداء له.

«الا فالعجب كل العجب لقتل حزب الله النجباء بحزب الشيطان الطلقاء».

«كيف يرتجى مراقبة من لفظ فوه أكباد الازكياء».

بينت حقيقة من يتسلم زمام إمارة المسلمين وتاريخ العائلة للكيد للإسلام ورسول صلى الله عليه واله، وان منهجهم عداء مستمر للدين والقيم والأخلاق وجميع الأعراف الانسانية.

تقول العقيلة زينب : «الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على رسوله واله اجمعين، أظننت يا يزيد حيث اخدت علينا أقطار الارض، وآفاق السماء، فأصبحنا نساق كما تساق الإماء، إن بنا هوانا على الله، وبك عليه كرامة، وإن ذلك لعظم خطرك عنده، فشمخت بأنفك ونظرت في عطفك جذلان مسرورا، أمن العدل يابن الطلقاء، تخديرك حرائرك وإمائك، وسوق بنات رسول الله صلى الله عليه واله سبايا، قد هتكت ستورهن، وأبديت وجوههن، تحدو بهن الأعداء من بلد إلى بلد».

«ولئن جرت علي الدواهي مخاطبتك أني لأستصغر قدرك».

فضحت زيف بني اميه القائل ان السبايا هم من الخوارج، وان ما يفعله سليل أكلة الأكباد هو حرب شعواء وانتقام حاقد على الرسول ورسالته، في ابناء وبنات الرسول صلى الله عليه واله، لم تنكسر العقيلة ولم يدخل قلبها الخوف ومثل العقيلة زينب لا يهزم.

«فو الله ما فريت الا جلدك وما حززت الا لحمك».

خلدت العقيلة زينب مسيرة الامام الحسين ، وزلزلت اركان الظلام واعداء الدين، بدأت معترك الحياة وهي صغيرة من مصيبة إلى اخرى، توجت حياتها الشريفة بانتصار في وجه الظالمين، وسمو مكانة عند رب العالمين، معركة كانت بين الحق والباطل فانتصر الحق وهزم الباطل، كل ذلك بعين الله ورعايته لهذا البيت الطاهر ان يكونوا جميعا فداء للدين اما قتلا بالسيف او موتا بالسم.

فلولا اهل البيت وختامها فداء الحسين وصوت زينب لكان باطل ابناء الطلقاء يعمل به، خطت زينب بإرادتها وصمودها وموقفها خطا لحياة كريمة للإنسانية.

ان كل المصائب في سبيل الحق عند زينب عمل جميلا، ووان كان هذا يرضيك فخد هذا القربان حتى ترضى، بهذه العظمى بقت زينب قبلة للبطولة ومنبر للصلاح وصوتا للحق، واليوم مرقدها الشريف في عقر دار بني اميه، ساطع يعانق السماء جلالا وزهواً، تتلألأ منه انوار الإيمان، وتشد لها القلوب قبل الاجساد من جميع أقطار العالم، محروس بعين الله وحماية الشرفاء ان لا تسبى زينب والزينبيات بعد الان.

هذه كلمات متواضعة فكل ما كتب يقف عاجزا أمام عظمة هذه الشخصية الفريدة، ستبقى نبراسا للفضائل، صبرا، شجاعة، إباء، فداء، رباطة جأش، قدوة ومثلا ونموذجا عن الباحثين والباحثات عن الأصالة والمجد والسمو.