آخر تحديث: 25 / 4 / 2024م - 9:08 م

الصداقة.. التحولات

محمد أحمد التاروتي *

تماسك الصداقة مرتبط بمجوعة المشتركات، ومحاولة تجاوز جميع المطبات، من خلال تغليب المصالح المشتركة، بعيدا عن الأغراض الشخصية الضيقة، لاسيما وان محاولة الالتقاء عند نقاط مشتركة، يساعد في تجديد الصداقة على الدوام، فالكثير من الصداقات تصاب بنوع من التراخي، او الفتور مع مرور الزمن، بيد ان التقارب الثقافي او الانسجام العقلاني، يدعم استمرار هذه العلاقة الإنسانية لمدة طويلة، نظرا لوجود رغبة صادقة للعبور بالصداقة الى بر الأمان، وتجاوز المشاكل التي تطرأ بين فترة وأخرى.

وجود الرؤية المتقاربة تمثل المدخل الأساس، في تماسك الصداقة على الدوام، لاسيما وان الصداقة ليست علاقة عابرة بقدر ما تمثل روابط ثقافية، قادرة على احداث تغييرات جذرية في التفكير المتبادل، بمختلف القضايا والاهتمامات الشخصية او الاجتماعية، الامر الذي يفسر استمرارية بعض الصداقات، وانفراط عقد البعض الاخر، فالتنافر في التفكير الثقافي يحدث فجوة واضحة في الرؤية، تجاه بعض الملفات الاجتماعية، مما يفرض ”الطلاق“ البائن جراء عدم وجود المشتركات القادرة، على إبقاء الصداقة عند مستويات محددة.

الاختيار الدقيق يلعب دورا أساسيا، في تحديد مصير الصداقة، فاذا كان الاختيار خاطئا فان المصير سيكون الفشل، والاضمحلال النهاية المحتومة بعد فترة قصيرة، نظرا لاختلاف التوجهات في الكثير من القضايا الاجتماعية، او الاهتمامات الشخصية، فالتلاقي في التفكير يسهم في تماسك الصداقة، ويساعد في مقاومة انهائها، فيما يشكل الاختيار الصائب عنصرا أساسيا، في تدعيم الصداقة، ويحرك النفوس لخلق الظروف الملائمة، للتغلب على الكثير من الإشكالات المرتبطة بالصداقة، وبالتالي فان المرء يمتلك القدرة على تحديد مسارات العلاقات الانسانية على الدوام.

الاحترام المتبادل، وعدم تجاوز الخطوط الحمراء، ووضع معايير صارمة لاحترام الخصوصية، عناصر أساسية في استمرارية الصداقة، فهذه العوامل قادرة على مقاومة التحولات الزمنية، والقضاء على أسباب الفرقة، وإيقاف محاولات انهاء العلاقة الإنسانية، لاسيما وان رسم حدود فاصلة بين التدخل لإنقاذ الصداقة، واقتحام الخصوصية، يساعد في وضع اطر أخلاقية، لتأسيس قواعد ثابتة لتدعيم الصداقة.

التجربة تشكل احد العناصر الأساسية للتمسك بالصداقة، فالوقوف مع الصديق في أوقات المحن الشديدة، او الازمات الحياتية، يسهم تكريس هذه العلاقة الإنسانية، نظرا لاكتشاف المعدن الأصيل القائم على تقديم العون والمساعدة، فيما تصاب الصداقة بنكسة كبرى بمجرد اكتشاف ”الخذلان“، لدى الصديق في أوقات الازمات، فالصديق الحقيقي يختبر في الأوقات الصعبة، والمحطات المصيرية، ”عند الامتحان يكرم المرء او يهان“، وبالتالي فان الموقف الصادق يمثل مدخلا أساسيا، لاستمرارية الصداقة والتماسك لفترة طويلة.

الإرادة الصادقة عنصرا أساسيا، في احداث الفرق في الصداقة، فالاصدقاء يحددون مسار العلاقة الحالية والمستقبلية، لاسيما وان العلاقة الوثيقة تبنى عبر السنوات الطويلة، والمواقف المتراكمة، وبالتالي فاذا توافرت الرغبة في للوصول بالصداقة الى بر الأمان، فان جميع الظروف القاهرة لن تقف امامها، نظرا لامتلاك جميع الأطراف المقومات الأساسية للاستمرارية، فاستمرارية الصداقة مرهونة بالافعال بالدرجة الأولى، فهناك الكثير من الصداقات انهارت بعد فترة قصيرة، جراء انعدام الرغبة في استمرارها، او نتيجة تحولات جذرية في نمط التفكير الحاكم بين الأطراف، مما يفضي الى انفراط عقد الصداقة في نهاية المطاف.

تلعب المصالح الشخصية دورا كبيرا في انهاء الصداقة، اذ يحاول البعض تسخير العلاقات الشخصية، للوصول الى المآرب الخاصة، مما يفرض انهاء الصداقة بمجرد تحقيق تلك المصالح، وبالتالي فان الصداقة القائمة على المصالح الخاصة سرعان ما تنتهي، نظرا لانعدام المقومات الأساسية الداعمة للاستمرار على ارض الواقع، الامر الذي يفسر انتقال الكثير من الصداقات من حالة الانسجام، والترابط القوي، الى الخصومة والتباعد الكبير.

كاتب صحفي