آخر تحديث: 28 / 3 / 2024م - 5:41 م

الآن أصبح بوسعهم القدوم

الدكتور إحسان علي بوحليقة * صحيفة الاقتصادية

منذ العام الماضي كان الترقب سائدا بقرب البدء في إصدار التأشيرة السياحية. وقد أصبح هذا وقعا اعتبارا من الأمس. ولطالما تحدثنا عن برنامج التحول، وإصدار التأشيرة السياحية لمواطني مجموعة كبيرة من الدول دفعة واحدة، هو أمر ينطوي على تحول جوهري، فقد دأبنا على السفر لبلدان الدنيا بحثا عن المغامرات والطبيعة والسكينة والصحاري والجبال والأنهار والشواطئ، دون أن نمكن الآخرين من زيارة بلادنا على الرغم من مكنوناتها التليدة والطارئة. الآن، طوينا كل ذلك، وبدأنا صفحة جديدة تسمح للآخرين بزيارة بلدنا بغرض السياحة. وهكذا نكون قد أكملنا مشوارا دام طويلا، لكسر سور أحاط ببلدنا حال دون قدوم السياح إلينا.

أذكر قبل أعوام أتى وفد رسمي، ورتبنا لهم قضاء ساعات في الثمامة، في موقع مرتفع يشاهد مغيب الشمس، وقضينا بعدها بضع ساعات في ارتشاف قهوة وعشاء وسمر. ظننا أن الأمر لا يعدو كونه دعوة عشاء، أما بالنسبة لهم فكانت أقرب ما يكون إلى فرحة طفل، رأينا ذلك في سرحانهم، وفي سؤالهم لنا عن كل شيء، حتى التفاصيل، بما في ذلك رائحة ”الغضا“ عند احتراقه!

هذا مثال من أمثلة، خذ مثالا آخر في تنوع وتفاوت صنوف الطعام من منطقة لأخرى، بل من مدينة لأخرى من الحواضر السعودية، وكذلك الملابس والأزياء، ومراسم الأفراح والأتراح، والعادات الاجتماعية، حتى الإدارة الاقتصادية والحرف والصناعات في اقتصاد كان بدائيا، ثم تطور، ومع تطوره وتمدن الحياة حاك قصة أخرى، وتحول من حال إلى حال.

تلك كلها مكونات جوهرية للبرنامج السياحي لأرض كتب فيها التاريخ صفحات لم تنقطع. صفحات كثير منا لا يدرك كم هي قيمة، والكم الذي يجهله منها. وأعطيكم مثالا، في افتتاح مركز الملك عبدالعزيز ”إثراء“ في الظهران، أسهمت الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني في إعارة أجزاء من مجموعاتها الأثرية، لشغل إحدى صالات العرض في المركز، وتصادف أن تزامن مروري بتلك الصالة مع مرور مجموعة من كبار الآثاريين والمؤرخين السعوديين، وكانت فرصة ذهبية لأن أتعلم أشياء جديدة، عن الكتابات القديمة، وعن الحضارات، التي تعاقبت في أجزاء من الجزيرة. هم يتحدثون وأشبه ما يكون بشريط درامي يمر في خيالي. تجربة لا تكاد تصدق. تصور لو أتيحت للسياح الفرصة للتعرف من كثب على حياتنا وحيات من سبقونا في استيطان هذه الأرض، فما الذي سنكسبه؟ سؤال ما زال بعضنا يظن أن ليس له إجابة! البارحة فقط أتت الإجابة.

كاتب ومستشار اقتصادي، رئيس مركز جواثا الاستشاري لتطوير الأعمال، عضو سابق في مجلس الشورى