آخر تحديث: 19 / 4 / 2024م - 1:33 ص

العقلانية.. الانتحار

محمد أحمد التاروتي *

يمتاز العقلاء بالقدرة على الاختيار الطريق الصائب، وتجنب السبيل المعوج، مما يشكل علامة فارقة في الكثير من المواقف، لاسيما وان التخبط وعدم الثبات في المواقف، تجلب الويلات وتدمر الحياة الشخصية، واحيانا المسلك الاجتماعي، الامر الذي يفرض اتخاذ السبيل السليم، عبر استخدام القدرات العقلية، القادرة على اكتشاف الألغام المنصوبة، في طريق بعض الملفات الاجتماعية، خصوصا وان التحرك المشبوه يترك علامات استفهام، ويثير الكثير من التحفظات على مختلف الاصعدة.

العقلانية في المواقف لا تعني السلبية، او الوقوف في المنطقة الرمادية، لاسيما وان الحياة مواقف وليست هروبا من التحاق المشاكل، ”“ إِذَا هِبْتَ أَمْراً فَقَعْ فِيهِ، فَإِنَّ شِدَّةَ تَوَقِّيهِ أَعْظَمُ مِمَّا تَخَافُ مِنْهُ"، فالعملية لا تعدو عن التريث، وعدم اللجوء الى الحماسة الكبيرة، مما يفقد الانسان توازنه جراء الانجراف وراء العاطفة، عوضا من تحكيم العقل في جميع الأمور، والقراءة الدقيقة قبل اتخاذ الموقف، وبالتالي فان المنطقة الوسطى تكون مثالية في بعض القضايا، ولكنها سلبية في ملفات أخرى، تتطلب الموقف الواضح بعيدا عن الضبابية.

الأقدام على مغامرات غير محسوبة النتائج، بمثابة انتحار واحراق بعض الاوراق الرابحة، فهناك الكثير من القضايا تستدعي وضع جميع الخيارات، والاحتمالات المتوقعة، مما يفرض الاختيار الأقل ضررا على المدى القريب، والمتوسط، والبعيد، نظرا لوجود تداعيات سلبية تكون ظاهرة أحيانا، وخافية تارة اخرى، الامر الذي يدفع باتخاذ بعض الخيارات البعيدة، لتجنب الاثار المدمرة على الصعيد الذاتي، فالبيئة الاجتماعية تتخذ مواقف انطلاقا من الممارسة العملية للطرف المقابل، سواء كانت صائبة او خاطئة، مما يستدعي للتريث قبل تحديد المسار، والإفصاح عن الموقف بشكل صريح.

الاستفادة من اصحاب الحل والعقد، لا يعني قصورا بقدر ما يكشف قدرة على تحوير الخبرات، لزيادة رصيد الخبرات الحياتية، فهناك ملفات تتطلب جهات اختصاصية قادرة على تفكيك العقد بشكل مبسط، مما يكشف الامور ويقضي على الغموض، ويسلط الضوء على الزوايا المظلمة، وبالتالي فان التحرك المبني على جمع الاّراء، والاستشارات اجدى من الاستفراد بالرأي، ”أعقلُ الناس مَن جمع عقول الناس إلى عقله“، بمعنى اخر، فان الحيرة وعدم القدرة على اكتشاف السبيل الصائب، يتطلب الاستعانة باصحاب الخبرة، للحصول على الاستشارة الصحيحة، تفاديا للوقوع في فخ الخيارات الملتبسة، او غير الواضحة التي يتلبس فيها الحق من الباطل ”كلمة حق يراد بها باطل“.

الانتحار لا يكون دفعة واضحة، فالعملية تراكمية وعبر مجموعة مواقف، خصوصا وان انعدام العقلانية يدفع لمواصلة مشوار الخيارات الخاطئة، مما يفاقم من الامور على الصعيد الشخصي، جراء الوقوف في الضفة الخاطئة، الامر الذي ينعكس على تراجع الرصيد الاجتماعي، مع مرور الزمن، خصوصا وان المرء يمر باختبارات عديدة، فإذا واصل الإخفاق، فانه يضع نفسه في مأزق، ومكان حرج للغاية ”المرء حيث وضع نفسه“، وبالتالي فان مسلسل الانتحار يمر بمراحل، ومحطات عديدة، وليست وليدة مواقف قليلة او هامشية، فهناك الكثير من الامور تكون تداعياتها محددة، ولكنها تبقى محفورة في الذاكرة الاجتماعية، فيما تولد بعض المواقف ردود افعال عنيفة، ولكنها لا تنعكس بشكل مباشر على الرصيد الاجتماعي، كونها هفوة ضمن مواقف مشرفة طوال الفترة الماضية.

المحافظة على المكانة الاجتماعية، مرتبطة بالقدرة على زيادة الرصيد، وتجنب الدخول في متاهات مظلمة، فالمرء قادر على احتجاز الامتحانات الصعبة، بواسطة انتهاج سياسة المواقف الصحيحة على الدوام، سواء كانت تلك المواقف تحظى بالقبول الآني الاجتماعي، او تلقى رفضا كبيرا من البيئة الاجتماعية، فهناك خيارات لا تظهر اثارها سريعا، وانما تبرز بعد سنوات طويلة، وبالتالي فان الانجراف وراء العاطفة الاجتماعية، يكشف عدم التوازن، الامر الذي يفرض تغليب العقل على العاطفة على الدوام، سواء على الصعيد الشخصي، او الجانب الاجتماعي.

يبقى الانتحار الاجتماعي مرهون بالقدرة، على التعامل العقلاني، في تناول الملفات الاجتماعية، فالعملية اشبه بالرقص على الحبال، مما يستدعي الحفاظ على التوازن طيلة الزمن، تفاديا لخطر السقوط بين لحظة واخرى.

كاتب صحفي