آخر تحديث: 18 / 4 / 2024م - 1:06 ص

‎إعلانات نهاية الأسبوع

أثير السادة *

حين تخرج من دوامة أسبوع طويل من العمل المنهك، وكل عمل مستمر هو منهك للروح بالضرورة، ستبحث عن فسحة تغادر فيها تلك المشاعر والأفكار التي أخذت نصيبا من راحتك ومزاجك، ستكمل الفروض الأولى لعطلة نهاية الأسبوع وأنت تصافح أهلك، وتشاركهم بعض الوقت بعد انقطاع، ثم تمضي لتبحث عن هبة هواء تعيد التوازن لخطواتك، أو لمة مع الأصدقاء تذكرك بأن أكواب الشاي مازالت تبعث الدفء في رتابة يوميات الحياة، أو ربما خلوة مع الذات تتحضر معها لتعويض ساعات النوم الناقصة!.

نحن الذين ننتظر ليلة الجمعة بعد نهارات متشابهة ورتيبة، ومثلنا من طحنتهم آلالات الإنتاج التي لا تتوقف على مدار الساعة، نطمع في أن نعود لطبيعتنا التي غادرناها في زحمة الانشغالات، نتأفف أحيانا للمناسبات الاجتماعية التي ستحاصرنا بروزنامتها في كل مرة، لكننا سرعان ما نتذكر بأنها باب لمغادرة العزلة والالتقاء بالناس، حتى المناسبات الحزينة تنتهي إلى مصافحات تهز الذاكرة وتفتح الروح على مشتركات الناس الإنسانية.

حتى الذين يذخرون لك دعوة لحضور مجلس "عادة" نهاية الأسبوع، ستجد بأنهم يحتالون على هذا العنوان لابتكار تفاسير لوجودهم الاجتماعي، فيتحول المجلس إلى منتدى للتعبير عن الاكتراث بكل قضايا الكون، وقبل ذلك لإنصاف رغباتهم في التواصل والحديث..لأجل ذلك يبدو درس العطلة الأسبوعية مفتوحا على استعادة تلك المعاني التي تنقبض في ساعات العمل الطويلة، كالإحساس بوجودنا الاجتماعي، وبرغبتنا لمعانقة الحياة في صورها الأجمل.

هذه الرغبات وتلك الأشياء تجعلك في حيرة حين تتربص بك مناسبة ثقافية أو فنية نهاية الأسبوع، تفكر ثلاثاً قبل أن تقلم قائمة المهام المؤجلة لهذا الوقت من أجل أن توجد فسحة لحضور أمسية شعرية، أو عرض مسرحي، لا تنسى تصنيفك بين الناس وأنت تقلب الأمر على ظهره وبطنه، فينتابك الشعور المخاتل بأنك معني بالحضور لتمتلئ من جديد بالمعنى!، وهو حضور غير مأمون العواقب، فأنت الذي تقبض على عطلتك الأسبوعية كالقابض عالجمر، تذهب بطوع نفسك إلى حدث قد يخطف منك معنى العطلة وقبلها المعنى الذي تنشده!..سترتدي كل صورك المعلقة في أذهان الناس وأنت تدلف إلى قاعة الحدث، لكنك قد تخرج متجردا من كل مزاجك المعتدل الذي قد تكتشف بأنك بعته بأرخص الأثمان.

لا أثق في إعلانات نهاية الأسبوع، بمثل عدم ثقتي في نشرة الأحوال الجوية، أفضل أن أحتمي بحدسي للحفاظ على رصيف يهبني النظر في كل الاتجاهات، عوضا عن الانغماس في عتمة الأمسيات والعروض المسرحية، أحرس دقائق الليل من قوافل المغامرين الذين يريدون اصطيادي في بيت شعر بلا صور، وعرض مسرحي لا يدس البهجة في جيبي، فعندي فهارس للخيبات أستعين بها في ساعة الحيرة، وأهتدي بخرائطها للهروب من تلك الورطات.