آخر تحديث: 20 / 4 / 2024م - 1:42 ص

جودة الحياة.. نصنعها أم تُصنَع لنا؟

الدكتور إحسان علي بوحليقة * صحيفة الاقتصادية

هل جودة الحياة نصنعها نحن أم يصنعها لنا الآخرون؟ السؤال ليس فلسفيا، بل يتصل بتحمل المسؤولية؛ فقوة المجتمع وضعفه يعتمدان على تماسكه وتمازجه وتكافله، بمعنى أنه في المجتمعات المتكافلة تجد الثراء الفاحش ليس متفشيا، ولن تجد كذلك فقرا مدقعا سائدا. وإن كانت جودة الحياة ليست بالضرورة أمرا يتصل بالغنى الفاحش، لكنه بالضرورة يتصل بالفقر أو بالحد منه، وهذا التعامل تعامل غير مباشر، من خلال جعل موقف الأشخاص من الحياة موقفا إيجابيا، والسبب أن مَن مواقفهم من الحياة سلبية منكفئة، لن يكترثوا بالانخراط في المجتمع ولن يسهموا في تماسكه وتكافله، وهكذا، فهناك من يرى في جودة الحياة شواطئ زرقاء وامتدادات خضراء، في حين جودة الحياة في المعنى الأعم، هي أوسع من ذلك، تتصل بالرضا، وليس المقصود بالرضا هنا الاستكانة السلبية، بل الرضا الطارد لليأس والإحباط.

ولعل الركيزة الأهم لتحسين جودة الحياة هي مكافحة الإحباط والسلبية، وزرع روح المبادرة، وأن بوسع كل منا أن يجعل غده أفضل من يومه؛ بالسعي في مناكبها، وليس بندب الحظ والخضوع للصعوبات والاكتفاء بلوم الآخرين، وتعليق الفشل على مشاجبهم. وهكذا، فجودة الحياة مفهوم يتفاوت من شخص إلى آخر، اعتمادا على موقفه من الحياة، وعلى أي ”نظارة“ يرتديها ليشاهد الحياة من خلالها. وبذلك نجد التحدي الأساس لتحسين جودة الحياة يكمن في أمرين: أولهما، تحسين المشهد تحسينا جوهريا، وثانيهما، إقناع الأشخاص بارتداء ”نظارات“ شفافة، ليشاهدوا الواقع من دون رتوش سوداوية أو وردية، بل حقيقة الواقع المجردة.

هل هذا يكفي؟ هو ضروري، لكنه غير كاف؛ إذ لا بد من قوة دافعة تحفز الأفراد إلى تحسين أوضاعهم، بمعنى أن مَن أمامه مشهد ”بطالة“ فعليه أن يسعى إلى تحقيق الاكتفاء المالي، وإن كان العمل الذي يقوم به حاليا لا يحقق تطلعاته، فعليه أن يكسب مالا ليأكل ويشرب من جهة، ومن جهة أخرى فإن العمل مهما كان بسيطا فهو الطريق إلى اكتساب الخبرة، وبالتالي الفرص الأفضل والوصول - بالتدريج - إلى تحقيق التطلعات. جودة الحياة ليست عملا فقط، وإن تحسين جودة حياة الفرد ليس مسؤولية الآخرين فقط، بل على الفرد أن يسعى إلى المساهمة في ذلك مساهمة جوهرية. المحبطون السلبيون لن يحققوا لأنفسهم جودة حياة، وليس خيارا ترك سلبيتهم تلك تفتك بهم أو تتفشى كالوباء في المجتمع؛ لا بد لبرنامج تحسين جودة الحياة من مكافحتها بخطة محكمة.

كاتب ومستشار اقتصادي، رئيس مركز جواثا الاستشاري لتطوير الأعمال، عضو سابق في مجلس الشورى