آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 4:57 ص

إلى الصديق الخارج من طفولته 4

أثير السادة *

أخبارك التي لم تعد تعرفها رسائل البريد تجعلنا نمعن في السؤال عنك في المرافئ التي غادرتها مبكراً، نحشد عواطفنا على باب الانتظار ونحن نتلمس صورك في امتداد الموج، موجة تتبعها أخرى ولا شيء فيها يروي عن حكاية غائب لا يكف عن الغياب.. نصغي لأمنياتنا كلما أرسلت الشمس وعودها في السماء، وعادت الطيور تنشد للشجر في الأعالي، نغسل كل الظنون الباردة بماء الأمل الذي مازال يرسم لك فينا نافذة تعانق الأفق.

الأرجح أنك ستعود، عبارة نهدهد بها كل القلق الذي يتصاعد في مقلة لا تراك، بها نهرب من دروس الشك في مستقبل يشبه كل التجاعيد التي تنتظرنا، سنقولها لنؤجل تآويل النسيان، ونصعد درجة في سلم الإنتظار، كمن يحرس أحلامه من الغفلة نكتب لك رسائلنا على أجنحة الشوق ونحسب الخطوات المذخرة للوصول إليك.

مدينتك التي كنت صدى صوتها في الحزن والفرح مازالت على صورتها المرسومة في ذاكرتك، هي كما هي ساعة جمعتها في حقائب سفرك، بيت مفتوح على البحر، وعلى أنفاس الناس، وسور الحزن، وزغاريد الفرح، والأمهات اللواتي يتمايلن بخطواتهن في نهاية كل ”عزية“.. الأطفال الذين اعتدت اصطفافهم في الأزقة مازالوا جوقة الفرح في هذا المكان، وحدها خطواتك الصغيرة انقطعت عن شوارعها، وضاعت خارطة الأصدقاء التي كان لها نصيب من مشيك.

باب الموت المفتوح مازال يقتص من ذاكرتي وذاكرتك، كلما حملت الريح صوت الحصري إلى بيوتنا تذكرنا بأن توابيت من العواطف تحمل مرة أخرى إلى النهايات، أصدقاء وأقارب ووجوه ألفناها تحمل حكاياتها للتراب وترحل، لنبقى نعالج انكساراتنا بعدهم، شاحبة هي وجوه الموتى، ومثلها وجوه الذين يحرسون ذكرياتهم من بعدهم، أعلم بأن رسائل الموتى تخطف في كل مرة أنفاسك وأنت تتسلل إليها بكثير من الخوف، فهي التي تضاعف فيك شعور الغياب، وهي التي توقظ فيك قلق البدايات والنهايات معا!.

أيها العصي على النسيان، لقد غشينا الليل مرات ومرات، لكننا لم نتخذه جملا، آثرنا الانتظار حتى تتم الصلاة في صمتك الطويل، تعال واقرأ وحشتنا في غياب المطر على الأرض اليباب، اقرأ سطور الريح في الرمال التي قاطعها الغيم، فكل سؤال عنك هو حرز ودعاء لتفادي الجفاف في سفرك البعيد.