آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 4:57 ص

الكلام.. التوازن

محمد أحمد التاروتي *

اتزان الحديث يعكس رجاحة ووعي المتكلم، فالمرء مطالب بمراجعة حديثه على الدوام، من اجل إعطاء صورة إيجابية على كلامه، لاسيما وان الكلام بدون طائل يدخل صاحبه في متاهات، وإشكالات عديدة، ”مَنْ كَثُرَ كَلَامُهُ كَثُرَ خَطَؤُهُ، وَ مَنْ كَثُرَ خَطَؤُهُ قَلَّ حَيَاؤُهُ“، مما يستدعي احتساب الحديث بدقه لتفادي الاصطدام مع الأطراف الأخرى، ”: الكلام في وثاقك ما لم تتكلم به، فإذا تكلمت به صرت في وثاقه، فاخزن لسانك كما تخزن ذهبك وورقك“.

البعض يجد حلاوة ولذة في اطلاق الكلام غير المتوازن، سواء لأغراض خاصة منها توجيه الرأي العام باتجاه مسارات محددة، او لاحداث حالة من الارباك الداخلي، مما يدفعه لانتهاج سياسة غير متوازنة في التعبير عن وجهة النظر، فتارة يذهب في الاتجاه أقصى اليمين وطورا نحو أقصى اليسار، نظرا لعدم وجود قواعد صلبة او مبادئ ثابتة، اذ يتحرك وفقا للغايات الخاصة او التوجهات الشخصية، الامر الذي يدفعه لإطلاق احاديث غير مقبولة، وأحيانا مستهجنة وغير مقبولة، فهذه النوعية من البشر ليست في وارد التعامل مع الاخرين بطريقة حكيمة، مما يجعلها غير معنية باعتماد مبدأ ”حدّث العاقل بما لا يعقل، فان صدق فلا عقل له“.

الافتقار للوعي احد الأسباب وراء اعتماد مبدأ الحديث غير المتوازن، فالمرء الواعي حريص على إعطاء صورة مشرفة لشخصه، من خلال اختيار الكلام المقبول والمعقول على الدوام، لاسيما وان الطرف الاخر يمتلك القدرة على تمحيص ”الغث من السمين“، وبالتالي محاولة استغفال الأطراف الأخرى تنم عن قصور، ولا تعكس في كثير من الأحيان التمتع بالذكاء، بمعنى اخر، فان المرء مطالب بوضع الأمور في الميزان على الدوام، لاحداث الأثر الإيجابي لدى الأطراف المقابلة، ”تكلموا تعرفوا فان المرء مخبوء تحت لسانه“، مما يستدعي التحرك الواعي عوضا من التخبط في جميع الاتجاهات، ”المرء حيث وضع نفسه“.

النجاح المؤقت في ”تنويم“ بعض العقول البسيطة، جراء اطلاق بعض الأحاديث غير المتوازنة، لا يمثل نجاحا في السياسة غير المستقيمة، بقدر ما يكشف قصورا كبيرا لدى الأطراف الأخرى، خصوصا وان انعدام القدرة على كشف ”المعقول“ و”اللامعقول“ مشكلة كبرى بعض الشرائح الاجتماعية، مما يجعلها فريسة سهلة لدى بعض الأطراف المشبوهة، وبالتالي فان النجاح الجزئي لا يبرر الاستمرار، في سياسة اطلاق الأحاديث غير المتوازنة، في البيئة الاجتماعية، باعتبارها مرض خطير يعطل العقول عن العمل بالطريقة الصحيحة، لاسيما وان البعض يسير وراء هذه الأحاديث بدون ادراك للعواقب الوخيمة، سواء على الصعيد الشخصي او الاجتماعي، ”لا شيء أعود على الإنسان من حفظ اللسان وبذل الإحسان“، ”مغرس الكلام القلب ومستودعه الفكر، ومقوية الصقل، ومبديه اللسان، وجسمه الحروف، وروحه المعنى وحليته الأعراب، ونظامه الصواب“.

المتلقي مطالب بأعمال عقله، والعمل على تقليب الأمور بشكل منهجي، من اجل اكتشاف الحقيقة عوضا من التسليم الكامل ببعض الأحاديث، خصوصا وان البعض منها يسير باتجاه معاكس مع المنطق السليم، مما يفرض عدم قبولها ومحاولة الوقوف أمامها بقوة، من خلال نشر الحقائق على الملأ، عبر وضع النقاط على الحروف، فهناك الكثير من الأحاديث تحمل في طياتها بعض الحقائق، ولكنها لا تصمد امام المواجهة العلمية الرصينة، نظرا لافتقارها للعديد من القواعد التي تدعم مصداقيتها، ”إحبس لسانك قبل أن يطيل حبسك ويردي نفسك، فلا شيء أولى بطول سجن من لسان يعدل عن الصواب ويتسرع إلى الجواب“، "لا تجر لسانك إلا بما يكتب لك أجره، ويحمل عنك نشره".

كاتب صحفي