آخر تحديث: 18 / 4 / 2024م - 4:55 م

صديقي والسمكة

الدكتور إحسان علي بوحليقة * صحيفة الاقتصادية

زارني أحدهم في الرياض لعمل بيننا، واقترحت تناول الغداء قبل مغادرته إلى المطار. صرح أنه عادة يفضل الأسماك، لكن وبما أن الرياض ليست على شاطئ، فإنه سيأكل أي شيء آخر، فبدون السمك - حسب قوله - تتساوى المأكولات! حاولت إقناعه أن تمركز الرياض على هضبة، وبعدها نحو 400 كيلومتر عن الساحل لا يعني أنها خالية من الأسماك الطازجة، فما كان منه إلا أن حذرني بأنه خبير في الأسماك، خصوصا أسماك خليجنا العربي، وقال بتواضع إنه لا يريد الذهاب إلى مطعم مكلف.

وبالفعل، ذهبنا إلى مطعم شعبي و”شحطة“، وقبل أن يأخذ صديقي مكانه طلبت منه أن نختار السمك، بل أن يختار ما يريد ليطهى بالطريقة التي يريد، فقال، تريد أن تختار الأسماك هنا؟! ذهبنا إلى حيث تعرض الأسماك، فانشغل صاحبي بتقليبها وتفحصها بتمعن، ليستوعب المفاجأة السارة. هذه أسماك طازجة بالفعل، ثم سألني عن الأسعار، أجبته، بالكيلو، كما هو مبين أمامك، وتعد بالطريقة التي تفضلها. مسرح تلك القصة مدينة الرياض كما ذكرت، وقد تناولنا وجبة شهية من الربيان المشوي والحمام العربي والعندق، ولم تكن وجبة مكلفة أبدا. لكن إجمالا، حتى في المدن على شاطئ الخليج، لن تجد مطعما للأسماك الطازجة أسعاره في المتناول.

وقبل ذلك، فالحديث ليس عن مطعم أو اثنين، فحاضرة الدمام - مثلا - من حواضر المملكة الرئيسة سكانيا واقتصاديا وموقعا، ومع ذلك فالأصناف البحرية، ليست ظاهرة في كل مكان، رغم أن الأسماك هي الخيار الصحي بعد أن غزتنا السمنة، مما نلتهمه من حلويات ملغمة بالسكر ومفاطيح و”هامبرجورات“ مشبعة بالدهون المشبعة. قلب النظر في المجمعات التجارية لدينا، وحاول أن تستخرج الأماكن التي تتعامل بالأكلات البحرية، أو الخيارات الصحية، قد تجد بعضها لكن بصعوبة، في حين ستجد أن ”الهامبرجور“ طغى بالفعل، فبعد أن عشنا دهرا دونه، غزانا بأصنافه وأنواعه المدعمة بالخبز السميك والصلصات والكريمة والزبدة واللحوم المشحمة، وتركنا أطباقنا وأسماكنا! أمرنا عجيب.

لا أصر أن تستمر الأجيال القادمة في تناول أطباقنا التقليدية دون تعديل، لكن أصر أن تروج لخياراتنا التقليدية وبأسعار في المتناول. ولندع الأسماك، ولنقلب الفكر في الخيارات المتاحة، لنجد أن أطباقنا ومشروباتنا غدت متنحية لمصلحة كل ما هو وافد. لا أقول ألا تأتي أطباق وافدة، بل أقول ألا تتنحى أطباقنا.

كاتب ومستشار اقتصادي، رئيس مركز جواثا الاستشاري لتطوير الأعمال، عضو سابق في مجلس الشورى