آخر تحديث: 19 / 4 / 2024م - 1:33 ص

لا حظ وشوف يا..

المهندس أمير الصالح *

في بداية الثمانينات ردد بعض أبناء الخليج كلمات أغنية شنف مسامعنا بها يومذاك المطرب الشهير عبد الكريم عبد القادر؛ وكان مطلعها الكلمات التالية: ”احسب الجيات..... كم مرة اجي.... لا حظ وشوف.... يا منيتي....“، لم القي للاغنية حينذاك اي بال ولكن حديثا لاحظت وشاهدت تبدل في المواقف لدى البعض بشكل غريب ومفاجئ وانقلابات في السلوك وتلون في الامزجة وتوظيف للآيات القرانية وتكييف احداث تاريخية مزاجيا، فقفزت كلمات الاغنية المشار اليها من ذاكرتي دونما استئذان وعنونت المقال بها.

عند سماعي لكلمات الأغنية قبل خمسة واربعون عاما تقريبا لم يكن لدي خزينة مشاهدات اجتماعية أو فكرية كثيرة في المجال السلوكيات المضطربة ولذا لم يكن لها أي وقع يومذاك.. الآن اضحت الصور والمشاهد والعبر والمواقف المرصودة متعددة واورد بعض من تنوعها هنا.

موقف 1:

قبل خمسة سنوات تقريبا، خرج شخص من بيت أحد أقاربه غاضبا ومعلنا مقاطعته له لنعت أحد الحضور في مجلس أبن عمه في عرض حديث فلسفي بان ”الإنسان يُعرف بانه حيوان ناطق“؛ واليوم ذات الشخص الغاضب يومذاك يُغرد في احد القروبات بصورة له وهو يحتضن حيوان الكلب، كاتبا على الصورة تعليق مفاده بأنه يحتضن أبن أحد أقاربه من مملكة الحيوانات؛ وكانت التغريدة ملاطفة صادرة منه موجهة لأحد السيدات اللاتي يؤمن بالنظرية الدوانية التطورية ولإظهاره للفتاة بأن قناعته بأنه الإنسان يشترك مع الحيوانات في أصل العرق الحيواني وأنه دارويني الهوى!!. يا الطيب وابن عمك الآدمي الذي قاطعت دخول بيته أو الدخول بداره قبل عدة سنوات، ايش اخر علمك به!

موقف 2:

كانت تبذل جهود لحضور المحاضرات الفكرية والعلمية والتربوية حتى أنها اجادت حفظ بعض السور الطوال والأدعية المميزة والأناشيد المحببة للمحيطين بها وأسماء عناوين الكتب المشهورة وأسماء المؤلفين البارزين يومذاك والقواعد المنطقية؛ وبذكائها العاطفي أبهرت أحد الرجال الوسيمين من ذات النادي الفكري.

وأصبح ذاك الرجل بعلا لها لاحقا. بعد سنين من الزواج وحدوث الإنجاب لعدة أبناء، استطاعت تلك الفتاة إكمال دراستها والالتحاق بسوق العمل؛ ثم تمردت تلك المرأة على زوجها وحدث الانفصال منه وكونت شلة نسائية ضمت بعض المطلقات من المستقلين ماليا والساخطين على تاريخ علاقتهم بطلقاءهم.

واستمطرت تلك المرأة العداء مع زوجها بأن صبت جام غضبها على كل المكونات الفكرية المشتركة معه والتي كانت في يوما ما تشترك مع زوجها في الاقتناع والإيمان بها والدعوة لها. لا بل اخذت تتمادى في الطنز والتهكم والسخرية من خلال منصات التويتر والفيس بوك على كل المبادئ العقدية والفكرية لمنظومة مجتمعها والتربص به نكاية وتحد.

يا الطيبة والقناعات والإيمان ودرجات اليقين وعدم الشخصنة والآداب واحترام عقائد الآخرين، وين طارت كل هذه المفاهيم؟!

موقف 3:

ليل ونهار، ينادي كل من التيار اليميني والتيار اليساري في المجتمع إلى الاحتفاء بالكفاءات الوطنية الاجتماعية والاكاديمية والتطوعية والخيرية واهل المبادرات وإعطاءها كامل الفرصة والحفاوة والمكانة للمشاركة في صنع الثقافة الإنتاجية والإبداعية بالمجتمع.

والملاحظ أنه لعدة سنوات هناك عدة أشخاص يتفانون ويكتبون بإبداع في مجالات عدة تخدم عملية النهوض بالوحدة الاجتماعية والابتعاد عما يُكدر صفو المجتمع ويحثون على توجيه طاقات المجتمع لما يفرز قيمة نوعية او مضافة على مستوى الوطن والأمة. لم يبالي أو يشد ازرهم أي أحد من المجتمع لا سيما قيادات تيارات التطرف اليميني أو اليساري لكونهم، أي المبدعون، مستقلون ووسطيون التوجه فكرا وممارسة وإيمانا وينأون بأنفسهم عن التوظيفات المختلفة.

وبمجرد أورد ذاك الكاتب أو هذا مفردة قد يستوحى منها وجوب التنازل المتبادل من رواد اليمين او اليسار لكي يخلقون وضع يخدم المنظومة الاجتماعية والوطنية الواحدة، ازدادت ضراوة الإقصاء لهم دونما هوادة. وقد يصل الوضع الى الاتهام للمستقلين بما ليس فيهم لتسقيط والأنباذ ومسح الأصداء واخفى الحقائق.

يا الطيبين، أين الموضوعية والمناداة بالرأي والرأي الآخر والانفتاح على ابناء الطيف الاجتماعي أو الوطني؟!. المضحك المبكي إذا أتى من يُكرم ذاك المبدع من خارج مجتمعه أو بعد رحيله تسجل أذراف دموع التماسيح من بعض المكونات البشرية اليمينية أو اليسارية والتي نالت من جهوده في اثناء وجوده بالمجتمع أو قبل رحيله لربه! أو التغني ليل ونهار ورفع يافطات بأن ذاك المبدع منا ومن أهلنا! يا الطيبين احترموا عقولنا واحفظوا ماء وجوهكم واتسال وين كانت جهود لجان الحفاوة بالمبدعين قبل ذاك؟!

ختاما ”لاحظ وشوف يا“ اخي القارئ بأن تبدل الأفكار والمواقف والشقلبات المتعددة في حياة البعض تحدث وستحدث في حياة الكثير من الناس بناء على عدة عوامل:

- تبدل المصالح

- تطويع الدين لغلبة كفة على كفة

- استخدام الايدلوجيات كمطية

- العبادة على حرف / القناعات الهشة

- كثرة المغالطات المنطقية

- الانتقام بالضرب فيما يثير استفزاز المجتمع

- إذكاء الصراعات من قبل البعض وانخراط الآخرين لانعدام البصر والبصيرة

هذا والكثير من العلل الأخرى الا انني اقتصر على ما ذكرت.

اجتماعيًا، يجب الا نغرق في كل شاردة وواردة من الشقلبات الفردية الفكرية لهذا او ذاك، ولا ان نلزم الآخرين بأفكار معينة ولا أن نضيق أفق الاحتواء للعناوين الكبرى لتشمل الجميع.

واستدعي وإياكم ضرورة تحديد البوصلة الاجتماعية والحث على عدم الانزلاق في أي مهاترات او مماحكات او تمزقات مستنزفة واستثمار الطاقات الإيجابية واستنطاق الأدمغة المبدعة والعمل بين جميع التيارات والأطراف لإيجاد واقع اكثر اشراقا لنا ولابناء الأجيال اللاحقة؛ وايجاد قيمة مرموقة لنا بين ابناء المجتمعات الأخرى داخل الوطن والعالم دونما خوف من احد او استنقاص لاحد او اثارة حفيظة احد.

وسنستمر وإياكم نلاحظ ونشوف يا احبتي علنا نوفق بالكلمة الطيبة او العمل الصالح او المبادرة الهادفة لخلق أجواء أكثر أريحية وإنتاجية وتلاحم.