آخر تحديث: 28 / 3 / 2024م - 4:39 م

خبر جاء ووحي نزل وفاة الرسول (ص)

عبد الرزاق الكوي

تصادف 28 صفر سنة 11 هجري ذكرى وفاة الرسول الأكرم ابو القاسم محمد بن عبدالله بن عبدالمطلب بن هاشم بن عبد مناف صلى الله عليه واله، خاتم الأنبياء والمرسلين اشرف المخلوقات وسيد البشر ولد في مكة المكرمة في شعب بني هاشم، عاش 63 سنة، 40 سنة قبل أن يبعث بالرسالة، و23 سنة نبيا قضى منها 13 سنة في مكة المكرمة، و10 سنين في المدينة المنورة. أمه السيدة آمنه بنت وهب بن عبد مناف، اول زوجاته ام المؤمنين الطاهرة الزكية خديجة، ام فاطمة الزهراء سيدة نساء العالمين، وله زوجات اخرى بعد وفاة السيدة خديجة.

دعا صلى الله عليه واله الناس سرا في مكة المكرمة إلى التوحيد مدة 3 سنين وعلنا 20 سنة، هاجر من مكة المكرمة الى المدينة المنورة في بداية شهر ربيع الأول.

تعتبر وفاة الرسول الأكرم صلى الله عليه واله، أعظم حدث في التاريخ وأكبر فجيعة مرت على الانسانية وصدمة عنيفة هزت وجدان المسلمين، رغم انه صلى الله عليه واله مهد لذلك ونعى نفسه الشريفة، تولى الامام علي تجهيز الرسول الأكرم، فقام بتغسيله حسب طلب النبي صلى الله عليه واله وتكفينه والصلاة عليه ودفنه ساعده العباس بن عبدالمطلب، قال الامام علي وهو على حافة القبر الطاهر:

«إن الصبر جميل إلا عنك، وإن الجزع لقبيح إلا عليك، وإن المصاب بك لجليل، وإنه بعدك لقليل».

وقال :

نفسي على زفراتها محبوسة ياليتها خرجت مع الزفرات

لا خير بعدك في الحياة وإنما أخشى مخافة ان تطول حياتي

وقالت سيدة نساء العالمين فاطمة :

قل للمغيب تحت أطباق الثرى إن كنت تسمع صرختي وندائيا

صبت علي مصائب لو أنها صبت على الأيام صرن لياليا

ماذا على من شم تربة أحمد إلا يشم مدى الزمان غواليا

حمل الرسول صلى الله عليه واله رسالة السماء ليتمم مكارم الأخلاق وينقد العباد من عبادة الأصنام الى عبادة الرحمن، ويخرجهم من ظلمات الجهل الى رفعة النور.

قال تعالى:

«وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين».

تحمل في ذلك عناء وصنوف الأذى حيث قال صلى الله عليه واله:

«ما أودي نبي كما أوديت».

رغم انه مرت على الإنسانية رسل كثيرة لقوا فيها صنوف الأذى، فهذا نبي الله نوح لبث في قومه ألف سنة إلا خمسين عاما، لقى فيها صنوف العذاب والاستهزاء ورغم العمر الطويل ما آمن معه إلا قليل، والنبي إبراهيم يلقى في النار ثم يأمر بأن يذبح أبنه بنفسه، ولقى الويلات من قومه، والنبي موسى عاش الإرهاب وتنقل من بلاء إلى بلاء، والنبي عيسى رفعه الله تعالى له بعد الظلم الذي وقع عليه، والنبي يعقوب وابتلاءه بفقد يوسف وبكائه العمر الطويل، والنبي يوسف ومكر اخوته والفتن التي وقفت في وجهه والسجن وغيابه عن أهله، ونبي الله يحي بن زكريا نشر بالمناشير وأهدي رأسه إلى بغي من بغايا بني إسرائيل، وغيرهم من الأنبياء والمرسلين البالغ عددهم مائة وأربعة وعشرين الف، والصادق الأمين صلى الله عليه واله يقول لم يؤدى أحد من الأنبياء مثل ما أوذي، مما يعني ان المجتمع الذي بعث فيه رسول الله صلى الله عليه واله كان اكثر قسوة وأشد شراسة وأكبر عدوانية من مجتمعات الأنبياء السابقين، رغم انه حمل لهذا المجتمع افضل الرسالات وخاتمتها.

قال تعالى:

«وأنك لعلى خلق عظيم».

استعملت قريش كل الأساليب الوحشية وجميع الطرق الخبيثة للوقوف في وجه الرسالة ودون تبليغها للناس، فلم تترك قريش أسلوب للمواجهة إلا اتبعته ولا طريق الا سلكته، كانوا يبثون الإشاعات والأكاذيب التي تشوه شخصية الرسول وتحط من مكانته، وورمي في بداية بعثته الشريفة بالأقدار ويسخرون منه ويوجهون له السباب والتنكيل به ووصفه بالساحر والمجنون وصولا الى محاولة اغتياله، ما تحمله صلى الله عليه واله من عقبات ومصاعب وظلم، ما تنوء بحمله الجبال الرواسي. ذاق اشد حالات الأذى في سبيل اعلاء كلمة الله جل وعلا، واستمرت معاناته في شعاب ابي طالب لمدة ثلاث سنين من السنة السابعة إلى السنة العاشرة للبعثة المباركة تضييق وحصار اقتصادي شديد شارف فيه الرسول الأكرم ومن معه على الموت، بعد معاناة الشعاب توفي حامي الرسول مؤمن قريش ابو طالب الرجل الذي كرس حياته وحياة ابنائه في خدمة الرسول والرسالة.

ولولا أبو طالب وأبنه لما مثل الدين شخصا وقاما

فذاك بمكة آوى وحامى وهذا بيثرب جس الحماما

فلله ذا فاتحا للهدى ولله للمعالي ختاما

وماضر مجد أبي طالب جهول لغا أو بصير تعامى

كما لا يضير إياب الصباح من ظن ضوء النهار الظلاما

ولتجنب الإيذاء من قريش خرج الرسول الأكرم مع عدد من المسلمين من مكة المكرمة للطائف ولم يكن حال الطائف افضل من مكة، تعرضوا للرسول بأشد الاذى ودفعوا صبيانهم وسفاءهم لأن يتعرضوا للرسول ويرمونه بالحجارة فسالت دماءه الطاهرة، ساعد في زيادة اذى الرسول صلى الله عليه واله، وجود اليهود في المدينة المنورة فما ان سمعت ببعثة النبي صلى الله عليه واله، قاموا بعمل الفتن والدسائس سلت فيه سيف الحقد والكراهية

قال تعالى:

«لقد أخذنا ميثاق بني إسرائيل، وأرسلنا إليهم رسلا كلما جاءهم رسول بما لا تهوى أنفسهم فريقا كذبوا وفريقا يقتلون».

لقد كان عطاء الرسول عطاء بلا حدود وصبر لا مثيل له، عانق عطاءه عنان السماء، وشهد له القريب والبعيد بسني اخلاقه وطيبة قلبه والحنان في تعامله، أفنى حياته الطاهرة عملا دؤوب في ارساء قيم الخير، تمنى فيها الرسول الأكرم اجر ما قدم من عطاء مودة اهل بيته ، فهل أعطت الانسانية حق الرسول صلى الله عليه واله بعد مماته وانتقاله للرفيق الأعلى، او بدأ فصل جديد من فصول الأذى والإساءة تتبع فيه روح الرسول في من أوصى بهم قبل مماته لذريته واصحابه وشيعته، كما قال الله تعالى في كتابه الكريم:

«ما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفأن مات أو قتل أنقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الشاكرين».

وقال تعالى:

«قل لا أسألكم أجرا إلا المودة في القربى».

وهم: امير المؤمنين الامام علي وسيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء، وسيدا شباب اهل الجنة سبطي رسول الله صلى الله عليه واله.

وقال الرسول الأكرم في حق الامام علي والسيدة فاطمة والامامان الحسن والحسين :

«أنا سلم لمن سالمكم وحرب لمن حاربكم».

فقد حوربت ذرية الرسول صلى الله عليه واله، من بعد وفاته، ما منهم الا قتيلا بسيف او شهيدا بسم، سبيت بنات الرسالة وانثالت الفتن على اهل البيت كقطع الليل المظلم وعصفة بهم امواج الظلم، وعلى امتداد فترة حياتهم الشريفة كانت عناء مستمر وتضييق لا يتوقف لم تأخذهم في الله لومة لائم ولا حرمة ومكانة للرسول وما وصى بالعناية والاهتمام بأهل بيته .

قال رسول الله صلى الله عليه واله:

«يا أيها الناس لا تأتوني غدا بالدنيا تزفونها زفا ويأتي أهل بيتي شعثا غبرا مقهورين مظلومين تسيل دماؤهم.. أيها الناس! الله الله في آهل بيتي».

وقال صلى الله عليه واله:

«الويل لظالمي أهل بيتي عذابهم مع المنافقين في الدرك الأسفل من النار».

كما ظلم وقتل صحابة الرسول صلى الله عليه واله وواتباع الامام علي ، واستبيحت مدينة الرسول وقتل أحد عشر الف من أهلها سبعمائة من المهاجرين والأنصار.

فقد كان مقابل عطاء الرسول هو بيت شعر كشف حقيقة الاذى للرسول صلى الله عليه واله وصولا الى أهل بيته :

لعبت هاشم بالملك فلا خبر جاء ولا وحي نزل

لست من خندق إن لم أنتقم من بني احمد ما كان فعل

اما شيعة اهل البيت فقد قتلوا تحت كل حجر ومدر وقطعت الايدي والأرجل، وسملت الأعين، وصلبوا على جذوع النخل وشردوا في اصقاع الارض، ونهبت أموالهم وهدمت دورهم، وهتكت اعراضهم، لا ذنب لهم إلا انهم اتبعوا ما جاء به المصطفى من أوامر من اتباع اهل بيته من بعده وان الحق معهم.

قال تعالى:

«لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر».

فهذا هم اليوم اتباع اهل البيت يحيون في ذكرى وفاة الرسول الأعظم، الفجيعة التي ادخلت الحزن على القلوب، يعيشون واقع الأسوة والقدوة للرسول وأهل بيته.

قال الامام علي :

«واعلموا أنكم لم تعرفوا الرشد حتى تعرفوا الذي تركه، ولن تأخذوا بميثاق الكتاب حتى تعرفوا الذي نقضه، ولن تمسكوا به حتى تعرفوا الذي نبده».