آخر تحديث: 20 / 4 / 2024م - 9:52 ص

الإطراء المزيف والنتائج الكارثية

المهندس أمير الصالح *

بعد يومين من تعيين مربية الصف أول واجب عمل فني مدرسي لبنات صغار في مرحلة الثالث ابتدائي وفي مطلع الفصل الدراسي الأول، قامت أحد الطالبات بتقديم عمل رسم لوحة فنية زيتية متقنة ومميزة على أن ذلك العمل من إنجازها!. أمطرت مربية الصف بالثناء والإطراء المفرط على الطالبة المدعية لإنجاز العمل؛ مربية الصف متغافلة ان من قام بإنجاز العمل ليس الفتاة الممدوحة بما لم تعمله بيديها وإنما موظف آسيوي بإحدى القرطاسيات المتناثرة أو محلات الخط.

أحس كل الطالبات الصغيرات الأخريات بانه مهما تفانوا في التدريب والعمل لتعلم مهارات إستخدام الفرشاة ودمج الألوان فانهن لن يبلغن نفس مستوى الإنجاز والإتقان الذي قام به موظف القرطاسية الآسيوي وانتحلته زميلتهن على انه من عملها. وعليه أصبح معظم الطالبات المثابرات بلون من ألوان الإحباط.

هكذا تشجيع مزيف من قبل ربة الفصل الدراسي لإنجاز وهمي لمن لم يقم بالعمل بنفسه هو مواز لتوزيع نياشين واوسمة والقاب علمية كبيرة دونما استحقاق فعلي يُذكر. هذه القصة عندما أطرقت مسامعي قبل شهر تقريبا، استحضرت من ذاكرتي عدة مواقف عن سلوكيات وتكريمات مزيفة إنتهت إلى تدمير بيئة العمل الإجتماعي والعمل الوظيفي.

اشارككم ايها القراء الكرام بقصتين من الواقع. ولكم الحرية التامة في استقراء الحادثة وتجنب الوقوع في نفس السلوك الغير سوي والذي لا يستسيغونه نفسيا واخلاقيا.

القصة 1:

عملت مع أحد المدراء المباشرين وقد لاحظت تباين وتناقض أداءه وكلامه عند مقابلته الموظفين في الاجتماعات المباشرة عما يرسله من تعليمات أو تقارير عبر الرسائل الالكترونية او يصدر منه من افعال. تفحصت الوضع من عدة زوايا فانكشف لي بعض من المستور عن شخصية ذاك الإنسان وهو ان ذاك المدير المباشر هو مجرد ديكور وهو في الواقع مدير اجوف علما وفاشل إداريا لضعفه المعرفي واللغوي والذوقي وانتحاله اعمال وإنجازات غيره تارة سطوة وتارة خداع، والتملق بإنجازات موظفيه أمام بعض مدراءه. وكان ذاك الشخص يحب ان يُمدح بما لم ينجزه حتى اصبح عرفا غير مكتوب بين من يرأسهم من الموظفين انه لا يمكن اطلاق اي مقترح او عقد اي محاضرة أو تقديم أي ورقة عمل الا إذا ادرج اسم ذاك الشخص أولا ضمن قائمة الاسماء فريق العمل دونما أي عمل من طرفه!. وكان المدير العام يكيل الثناء والإطراء والمدح لذاك المدير المباشر «سارق جهود موظفيه» بامور وانجازات انتحلها؛ واتضح لي بالتمحيص والتحقيق بان طفولة ذاك المدير المباشر قائمة على التدليس والغش والتزوير منذ ايام مقاعد الدراسة حتى استحصل شهادته الاكاديمية بطرق ملتوية وشراء الذمم. نمى في الشركة التي يعمل بها وكبر غشه وتدليسه واستخدام علاقاته واكتشفت ان كل خطاباته وايميلاته والتقارير المكتوبة باسمه ومسودات الندوات وحتى انهاء دوراته التدريبية عن بعد e - learning تتم عبر مجموعة موظفين يعملون بإدارته تحت امرته من الموظفين الآسيويين والمواطنين!!!. المشكلة ان بعض المدراء العامون كانوا يسوقون ليرشحونه لتبوء مركز قيادي في أحد إدارات الشركة والمشكلة الأفظع بأن ذلك الشخص عايش الدور. وبالفعل تم تمكين ذلك الشخص واستشرى شره على الناس حتى نفر معظم الموظفين المميزين من المواطنين عن طريق مخرج التقاعد المبكر والأجانب عن طريق مخرج الاستقالة. وأضحت دائرته شبه عزبة او مزرعة خاصة له ولأحبابه وبعض الموظفين الآسيوين المتزلفين وبعض من أولئك الآسيويين يحملون جوازات زرقاء إلا أن عقليتهم عقلية عمال تنفيذيين لمقاول!!

القصة 2

تلقيت قبل مدة زمنية خبر نعي احد الشخصيات الأهلية وهو من الوسط الاجتماعي العام، إلا أن ما لفت نظري في الخبر هو مجموعة الالقاب التي تقدمت اسم الشخص المراد نعيه. من منظور عملي، تكاد أن تكون معظم الألقاب المذكوره إن لم يكن كلها في حق الشخص المنعي، نابعة من عاطفة جياشه وغير موضوعية لكاتب صيغة الدعوة لنعي الراحل ودون مراعاة لعقول الناس واحترام التصنيفات العلمية للألقاب. قد لا يستفيد الراحل من جملة الألقاب المسبوغة عليه بعد رحيله ولكن حتما تلكم الألقاب ان تم الامعان في تسويقها وتناقلها عبر الانام والايام فانها ستوثب أبناء الراحل واحفاده لانتزاع وجاهة مدعاة او تقمص مكانة اجتماعية على حساب بعض ابناء المجتمع العصاميبن والمكافحين والمتفوقين. المشكلة الأفظع بان ابناء الراحل ومعظم أقاربه عايشين الدور وينسجون قصص وبطولات ومواقف وعنتريات ليس لها اصل تعظم وتبجل الراحل. والواقع ان الشخص الراحل ايام حياته لم نسجل له موقف بطولي واحد وليس له أي اثر علمي ك كتب علمية أو بحوث وليس له وقف ريعي خيري. وإنما هي سرديات قصصية مبجلة له يطلقها عليه بعض ابناءه واحفاده مع العلم انه لم يكن ايام حياته الراحل اي مانع خارجي يحجب الناس عن الاطلاع على بطولاته حين وقوعها. فموضوعيا يجب احترام عقول الناس وعاطفيا وادبيا لا يحق للابناء والأحفاد من اي طيف اجتماعي مزايدة المجتمع لأخذ مكانه واكتساب حضوة.

في استنكار التزييف والخداع، يتناقل الناس العبارات التالية في الواتس اب ولم اقف على مصدرها ولابأس ان نوردها هنا بتصرف:

«- ما ذنب العنب إذا صار خمرا؟

- وما ذنب اللحية إذا أطلقها رجل فاسق؟

- وما ذنب النقاب إذا لبسته عاهرة؟

- وما ذنب الصلاة إن كان صاحبها كاذب؟

- وما ذنب الثقافة ان ادعاها فاجر؟

- وما ذنب الرياضة ان مارسها مخادع؟

- وما ذنب التجارة ان اشتغلها محتال؟

- وما ذنب الصداقة ان خانها فاجر؟

- وما ذنب الشرف إذا دنسه فاسق؟

الذنب سيكون ذنب الإنسان ان خُدع بتلك الأصناف البشرية المتلونة أو لكون الإنسان تكاسل أو لم يسعى لتحصين نفسه من المزيفين والمزيفات».

وهذه الجمل تتضمن دعوة ذكية واستشهاد حكيم لضرورة تفعيل الوعي والتمحيص وادوات التنقيب المعرفي لتجاوز المطبات والفخاخ والصدمات وعلى كل منا تفعيلها ليعيش بسلام واستقرار نفسي.

اتدارس مع القراء الكرام، بانه لابد من التمييز بين المجاملة المعقولة والاطراء المزيف والجلد المحطم والتغافل المحمود. اضحى من المؤكد بان الاطراء المزيف قد يؤدي الى نتائج كارثية بتبوء من لا يستحق لمكان مؤثر على الكثير من الناس؛ وكذلك النقد اللاذع المحطم قد يؤدي لكوارث اجتماعية بتهشيم وتهميش معظم عناصر وكوادر النجاح داخل المجتمع؛ لذا من الجميل الإلتزام بالقاعدة الأخلاقية: «لا تقف ما ليس لك به علم» فيما لم تدركه ولا تصفق مع المصفقين دون دراية ولا ترمي حصاة ضد الآخرين لمجرد المحاكاة. الوعي والنقد الموضوعي والرشد والعقلنة والبصيرة واستخلاص العبر من قصص التاريخ وتلمس بوصلة الحق والحقيقة وتناقل التجارب المفيدة ادوات وملاذات آمنة عندما تضرب شواطئ مجتمعنا عواصف التزييف من كل اتجاه.