آخر تحديث: 19 / 4 / 2024م - 11:39 م

أرواحٌ لا تستريح

المهندس هلال حسن الوحيد *

هل سمعتَ عن الأرواحِ التي لا تستريح؟ هي ليست أرواحاً من كواكبَ أخرى استقرت في مخلوقاتٍ غريبة، بل هي أرواحُ أقربَ من عرفنا وأرواحُ أجمل من أحببنا. هي أرواحُ أمهاتنا وآبائنا تزورنا وتنظر ما نحن فيه؟ تطل وتستكشف هل نحن نجعلهم فخورينَ بنا كما كنا صغاراً أم تنسل تلك الأرواح لتختفي سريعاً، تحتمي من الخجلِ وتبكي أنها فشلت في صنعِ إنسانٍ يستحق أن يكونَ خليفةً لهم في الأرضِ أفضلَ مما كانوا هم عليه. مشكلتنا مع تلك الأرواح أنها تعاود الكرةَ والزيارة لا تنفك ترجو أن تراني وتراك في نعيمٍ فتنعم، وإن رأتنا في شقاءٍ شاركتنا الهم. ربَّاه وكأنَّ همَّ الدنيا الذي حملته الأم وحمله الأب لم يكفهما حتى حملا ذلك الهمَّ وهما في أعالي الجنان!

أنا وأنت كنا ننظر في عيني والدينا كلَّ حينٍ لنعرف هل هما فخوران بنا ولم يكفنا النظر في أعينهما بل نسألهما: أمي وأبي هل أنتما فخورين بي؟ في عالمنا الصغير كان يكفينا أن يكونَ اثنان فخوران بنا لنعبر كلَّ جسرٍ ونعلو كل قمة! سوألٌ يجب أن نستمر نسأله أنفسنا في كلِّ فاصلةٍ زمنية نحن فيها، حتى وإن لم يعد باستطاعتنا سؤال أمنا وأبينا، ليس علينا إلا أن نغمض أعيننا ونراهم يطلونَ الآن بأشخاصهم وليس بأرواحهم التي ترانا ولا نراها ونسأل: هل أنتم فخورن بما نفعل؟

سريانُ القيم والمنجزات التي تبتهج بها تلك الأرواح يجب أن يكون نهراً يجري في الأفرادِ والمجتمعات والأمم دافقاً يفيضُ من جانبيه نحو الأمام جيلاً بعد جيل. فتلك الأرواح التي لا تستريح لن تفتحَ مخازنَ الأكل والشرب في دورنا، ولن تقرأَ العلامةَ المائزةَ فوق عرباتنا وملابسنا، ولن تسأل كم من المالِ في حسابنا المصرفي، لكنها سوف تنظر لإنسانيتنا. كيف نعيش وكيف نسير نحو المستقبل هي أسئلةٌ تسألنا إياها وتحسب أجوبتنا في دقةِ الحسابِ والجبر دونَ أن تخطئ التقدير.

تلك الأرواح لها شيءٌ مما نحن فيه، هم غرسوا فينا القيم فأتت الثمرةُ كما غرسوا. ونحن من بعدهم نغرس قيماً إما أن تكونَ نبيلةً تسعد بها أرواحنا عندما تزور الأراضي التي زرعناها فيها مرة بعد أخرى أو تسأل ذاتها: أي نفعٍ من مجيئنا؟ وأي نفعٍ من إطلالتنا؟ فقط لنعذب أرواحنا!

مستشار أعلى هندسة بترول