آخر تحديث: 28 / 3 / 2024م - 8:56 م

مسرحية ”الباب“ تحت مجهر المخرجين والكتاب.

جهات الإخبارية سوزان الرمضان - تصوير: حسن الخلف

عبر مجموعة من المخرجين والكتاب عن آرائهم على خلفية العرض المسرحي ”الباب“، للمخرج ياسر الحسن، الأربعاء الماضي، على مسرح جمعية الثقافة والفنون.

وناقشوا خلال حوار مع جهينة الإخبارية " الفكرة والأسلوب، العلاقة بين المخرج والكاتب، الظهور النسائي، أداء الممثلين، الموسيقى والإضاءة ونقاط القوة والضعف.

ورأى المخرج المسرحي عبدالله الجفال اعتماد مسرحية الباب على ”مشهد واحد هو الباب الذي تعددت دلالاته الرمزية، فهو باب البيت الذي يعرضه السمسار للبيع في مزاد علني في غيبة الشخوص التي تحضر أمامه دون وعي منهم بماهية البيع!! وسط أسئلة يثيرها جهلهم بطبيعة البيع، أو فهمهم لطبيعة الغرض الذي من أجله يتم إعلان المزاد!!“.

وأضاف: ”ربما تقترب الفكرة من أحادية الحبكة لأول وهلة باعتباره مشهد واحد يدور حول الباب والشخوص القليلة التي تحتشد من حوله بقصد أداء عملهم، أو لصداقة بعضهم بمن يقبعون داخل البيت“.

وتابع: ”لكن سرعان ما تفاجأنا بأن الدلالات الرمزية للباب قد تغيرت، وأصبحت تحاكي ألم الإنسان العربي من خلال اللهجات التي اعتمدها المؤلف، وكأنه يشعرنا بأن الهم عربي خالص يخص المتلقي والشخوص التي تتلون في لهجتها اللغوية، فتشعرك بانتمائها المتعدد لبقع جغرافية عربية متعددة“.

وأردف: ”وبعد أن تهومنا بهذا الهم المتعدد الذي يشعرنا بأن هناك تفرعات وتعدد في حبكة النص نفسه، إذا به يفاجئك وكأنك أمام حبكة نموذجية باعتبار أن الفكرة هي واحدة وثابتة تدور حول الباب ولا يغادرك المشهد حتى نهاية المسرحية بكل مشاهدها“.

ونوه إلى أن الأسلوب الذي انتهجه المؤلف بتنقله في ”المزج بين الواقع المزري الذي نعيشه أمام الباب، والذي يمثل بوابة الديار والأوطان والبيوت وحتى حجر النوم، يشعرك بأنها تربة الوطن، وأن البيت هو المكان الحاضن لكل هذه اللهجات التي تتحاور فيما بينها باسلوب مجازي، معبرا عن كل اللهجات العربية“.

ولفت إلى نجاح المخرج في استخدام ”موضحاته الإخراجية“ وتجاوز نفسه كمؤلف بالحذف والإضافة والتحوير والتعديل، مثل مغادرة النص كاملا من حيث كتابته باللغة العربية ميلا إلى توظيف اللهجات العربية في النص نفسه وعلى خشبة المسرح".

وأضاف: " توظيفه للموظفات الإخراجية أيضا في الإضاءة مثلا، للكشف عن مرحلتين زمنيتين هما اللحظة «الواقع»، والماضي من خلال تجسيد حالة الشرود في اللحظة فتنفصل الشخصية عن واقعها سابحة في فضاء الذكريات، وتسرد بطريقة سردية وحوارية فاجعة عن استسلام إرادة التحدي فيها من الزوج أمام زوجته ومديره، والمهرج أمام مدير السيرك أو الملهى، والسكرتيرة أمام مديرها في العمل عبر طريقة المونوج الداخلي.

ونوه إلى أنه قد استخدم الإضاءة في ”العبور بين الزمنين ذهابا وإيابا، والذي كشف من خلاله التراكم النفسي والإجتماعي والإقتصادي الذي قادهما إلى وضعهما الحالي أمام الباب“.

وأوضح أن الإضاءة مثلا أضفت حالة من ”الغموض والضبابية على وجوه الممثلين هي من صميم الشرود وحوارات المونولوجات الداخلية للشخوص، فأخرجهم من خلال هذه الإضاءة المعتمة من الحاضر الذي يحيل من خلاله بالاضاءة رؤية ملامح وأجساد الشخوص إيذانا بحضورهم إلى عالم زمنهم الحاضر“.

وعبر عن سعادته بعودة العنصر النسائي إلى ”الركح المسرحي“، في أنه أشعرنا بصدق المسرح كفن من الفنون الذي يحاكي آلام المجتمع وأفراحه ومعاناته وتناقض شخصياته وصراعاتهم في الحياة، إذ لا يمكن أن يكون المسرح صادقا دون أن يحضر طرفا الحياة فيه المرأة والرجل".

ونوه إلى أن حضور المرأة على خشبة المسرح قد ”عزز الصدق في دواخلنا كممثلين وكتاب ومخرجين، ونحن نتصدى لكل العناوين الحياتية، ونقدمها اختزالا على خشبة المسرح. فحضورها إلى جانب الرجل يعني الصدق والأمانة في تناول كل العناوين الحياتية على خشبة المسرح“.

وأثنى على أداء الممثلين ”ودهشة الحضور بجمالية أدائهم، وبالعفوية التي تميزوا بها“، مبينا توقه إلى هذا ”التآلف والتجلي الذي ظهر على خشبة المسرح، وبراعتهم في الخروج من الحاضر والإنغماس في ماضيهم الذي أرقهم كثيرا، واستطاعتهم العودة بنجاح باهر إلى واقعهم لكي يعكسوا حقيقتهم النفسية وطبيعة تنافرهم وتضادهم مع بعضهم البعض“.

وتابع: ”وأيضا كنا نرى بتوق وتجلي إصرار المهرج على مغادرة وجوده في البارات والحفلات الراقصة إلى فن يحترمه ويقدره كثيرا ويتوق إلى تمثيل كل مسرحيات شكسبير“.

وأضاف: ”كل هذا الصراع يحضر في التقاطع مع إرادتهم التي يقهرها بعنف ويخلق تأزما جديدا كلما ركنت الشخصيات إلى الهدوء وأوهمتنا بأنها آلة تحرك من قبل أسيادها“.

ولفت إلى أن ”كل من السمسار والرواي شكّلا معا عوامل محفزة وأثارا تحفيزا غير اعتيادي على الشخوص الأخرى، وكأنه يمهد لاستراحة تسبقها عواصف وذروات أخرى لا تنتهي أبدا“.

وأكد على براعة الممثلين ”في إيصال كل هذه التناقضات فيما بين بعضهم البعض، أو بينهم وبين نفوسهم في مونولوجاتهم الداخلية“.

وقال عن الموسيقى أنها عبرت عن ”لحظات فاصلة في حياة الشخوص، بحيث ميزت دائما الدخول المتكرر للسمسار بنغمات واحدة ومتكررة تشعرك في كل مرة بإطلالته لبدء المزاد المعتاد على الباب، كما صورت عوامل القلق والصدمة وكأنها طبول تأذن بفاجعة جديدة“.

وأردف: ”ولن تقل الإضاءة عنها بحيث أضفت أجواء أخبرتنا من خلالها البيئة الحياتية واقعا أو شرودا وحوارا مع الذات وإضفاء الملامح الغير واضحة على الممثلين، وكأنها تخبرنا بغياب إرادتهم أو سلبها أو تغييب وجودهم في الحياة“.

وتابع: "كتل من الأجساد التي تتحرك دون وعي منها أو تحت طائلة الخوف من العقاب أو الفصل أو إضاءة الصراع الداخلي، وكأن الشخوص يعيشون حالة تخديرية، أو تشعرنا بتغيبهم عن الحياة في واقعها.

وأضاف: ”وفي كل نهاية مشهد ما تطل الإضاءة على شكل نور يضيء للوجوه الكالحة والمنتظرة أمام الباب وتخبرهم بأن هناك طريقا آخر يجب أن ينتبهوا إليه وهم في قمة انشغالهم بخروج من يخططون ويرسمون مصيرهم الأسود خلف الباب“.

ومضى يقول: ”وأيضا الثياب واكتسائها باللون الأحمر وطريقة تغير معالم بعضها، طبقة للمهنة التي تمارسها الشخصية وفقا لتغير الدلالة الرمزية للشخصية كان فاعلا وموضحا إخراجا رائعا لفهم المتلقي وتقبله لهذه الشخصية أو تلك والتي يؤديها الممثل بكل ألق وتجلي“.

وذكر أن نقطة الضعف الوحيدة للعرض تمثلت ”في المسرح المستخدم بإضاءاته المتوفرة فيه، والتي لا تخدم هذا النوع من العروض“.

وأشار إلى حاجتنا إلى مساقط أضواء حديثة تتابعية تتحرك مع تحرك الممثل، وليس إضاءات ثابتة، ومن جهة أخرى لا توجد إضاءات جانبية تجعل المشهد أكثر جمالا وفق رؤية المخرج".

واستدرك: ”أن الحلول التي لجأ إليها الكادر المسؤول عن الإضاءة قد تميزت بالدقة في مجال تصوير المونولوج الداخلي، وإضاءة البيئة الواقعية للشخوص حيث كانت إمكانيات المسرح حاضرة في مثل هذه العروض“.

وقال أن المسرح يعاني كثيرا من حيث ”عدم توفر العازل، وغياب الإضاءات الجانبية والتتابعية، مبينا أن ما حصل في هذه المسرحية قد جرى وفق استخدام أمثل لهذه الإمكانات الشحيحة“.

ولفت إلى أنه بالإمكان اعتبارها حالة من حالات ”التميز والإبداع من مشاهدة عملا من هذا النوع بإمكانات مسرحية شحيحة ويتقبله الجمهور“، لافتا إلى ”نجاح المخرج والكوادر المسؤولة عن السينوغرافيا والإضاءة في توظيفها، والخروج بعرض مميز ومبدع في عرضه التمهيدي الأول“.

ورأى الكاتب زيد الفضيل بأن ”الباب بما له من وظيفة مادية يمثل عنصر هام في عالم الماورائيات «الميتافيزيق»، وأنه كان ولا يزال رمز لكثير من الحكايا الأسطورية، وعنوان لقيمة القوة في الجانب العسكري، والعمق في الجانب السياسي، والخلود في الجانب اللاهوتي بوجه عام“.

وأضاف أن ”باب مدينة العلم قائم في كل الميثولوجيا بغض النظر عن مدى حقيقتها أو لا، وكذلك الأمر في بقية الجوانب“.

وأشار إلى ما يمثله العنوان ”الباب“ في كونه مدخلا للناظر لأن يسبح بفكره في آفاق مختلفة".

وتطرق إلى توفيق الكاتب والمخرج ياسر الحسن في ”توظيفه امفهوم الباب في توالي مقاطع المسرحية“، مشيرا إلى أنه ”رغم غياب بعض المفاهيم عن بعض لحظات الحوار إلا أنه لم يكن بالشكل اللافت، ويمكن تلافيه مستقبلا في واقع الحبكة الدرامية للنص المسرحي“.

وأشاد بشخوص أدوار المسرحية ”وتمكنهم من إظهار مكنون ما أراده الكاتب والمخرج من“ إسقاط رمزي ”في توالي المسرحية سواءا على النطاق الإجتماعي، أو غيره“.

وأثنى على ماقدمه فريق العمل ووصفه ”بالوصلة الجمالية وكانوا هم البارزين فيها، رغم خذلان الإمكانيات وعدم وجود مسرح مجهز بما يجب لتقديم هكذا نوع من مسرح نخبوي، تتضافر فيه كل الجهود من نص وأداء وإضاءة وموسيقى ومخرج يدير كل ذلك“.

وأردف: ”كانو ممثلين ومنفذي إضاءة وموسيقى ومخرج قوة في حد ذاتهم بمنأى عما واجهوه من ضعف في الإمكانات بوجه عام“.

وعبر عن سعادته بتواجد العنصر النسائي في ”إضفائه جمال مختلف، وإعطائه للمسرح سلوكه الإنساني الطبيعي بوجه عام، مثنيا على الممثلة لين السيوفي وإبداعها في تقديم ما أسند إليها من أدوار، وتناغمها بشكل عفوي مع مختلف الأدوار الأخرى“.

ورأى المخرج ماهر الغانم بأن العرض من مدارس المسرح التجريبي والنخبة أكثر منه للجمهور العام، وذلك لما به من رمزيات وإسقاطات تختلف ترجمتها من شخص إلى آخر.

وبين أن ثيمة وفكرة العرض تتمثل في ”هاجس الانتصار والأمل واليأس في الوقت ذاته عبرت عن رغبات شخوص العمل وصراعهم مع ما يعانونه من قضايا مختلفة حتى النهاية والتي كانت مفتوحة وتعطي المتلقى تأمل أكبر“.

واعتبر أن ”الإخراج قد تفوق على النص“ وهو من تأليف المخرج نفسه، معلقا أنه ”لو تم إعطائه لمخرج آخر لربما كان أكثر تمردا على النص، فالكاتب يحافظ عادة على ما خط فكره لوحده“.

واعتبر وجود العنصر النسائي في المسرح ”طبيعي وفي مكانه“، معبرا عن ”تألق الفنانة لين السيوفي في الدور كعادتها“.

وأضاف: ”تألق الفنان ناصر عبد الواحد أيضاً في دوره فهو كوميديان من الطراز الأول، وكذلك الفنان عصام البريمان رغم انقطاعه الطويل عن المسرح فقد تفوق على نفسه وأعطى للعمل من كامل قلبه فلامس قلوب المشاهدين، ولم ينقص الفنان عبد العزيز سوى الإلتفات أكثر للصوت المسرحي“.

وتطرق إلى بعض عناصر المسرح كالموسيقى واصفا إياها بأنها ”قليلة، إلا أنه تم توظيفها بشكل جيد“، والإضاءة ”جيدة بالمجمل وربما تأثرت بوقت البروفات القصير، وحماس بعض الممثلين فلم يتحسسوها في بعض المناطق المهمة وفقدت القوة في بعض المواقف“، والسينوغرافيا ”موفقة بشكل عام وجميلة“

ونوه إلى أن نقاط الضعف في العمل ”قليلة“، داعيا للانتباه لبعض الأمور ومنها: ”إيقاع الأداء من البداية لكي لا يهبط ويسقطون في مناطق ملل، واختصار وقت العرض لإعطائه قوة أكبر“.

وأثنى على أداء المخرج الحسن ووصفه ”بالمبدع واستمراره في الورش والتجارب وهو ما يعطي نضج أجمل“.

ورأى الممثل والمخرج سلطان المقبالي أن فكرة المسرحية اعتمدت ”الغموض وهو ما يستفز للبحث بمتعة في أعماق الفكره لمحالة استنتاج بعض رموز الكاتب وتحليلها، والذي يميز هذا النوع من المسرحيات رغم وضوح بعض المسارات فيها“، ووصفها ”باللعبة التي أجادها الكاتب لنفكر بعمق لطيف وغير مزعج“.

وأبدى إعجابه ”بالنمط الجديد“ الذي استخدمه وأجاده المخرج بأسلوب متناغم وغير مبالغ فيه من النقلات والتداخلات السلسة".

وقال ليس بالضرورة أن يعتدي المخرج على النص إذا كان هو الكاتب، أو العكس، ”فالمخرج سيكتب بنظرته الإخراجية، ويخرج العمل بخيال متفق عليه مسبقاً خلال الكتابة“.

وأشار إلى أن قوة العمل وجماله ”تكمن في أن يعطى للكتابة حقها، والإخراج بالخيال حقه لنصل إلى مزج عقلين مفكرين بجسد واحد“.

واعتبر أن العنصر النسائي في المسرحية ”إضافة للجزء المفقود، وقدرة الكاتب الكتابة بأريحية وواقعية أكثر دون البحث عن بديل، وشعور المتلقي بنضج العمل وتكامله من ناحية القصة“.

وأردف: ”انتظرنا طويلاً ظهور العنصر النسائي على خشبة المسرح، ولكن حتى الآن لم ينمو هذا الأمر بالشكل المطلوب لقلة الممثلات المتمرسات على الخشبة وهذا يحتاج وقت طويل“.

ووصف الفنانة لين السيوفي ”بالسلاح الثاني“ للمخرج وسط المسرحية، "نثرت التوازن ولاحقت النقص لتلحمه وتعيده إلى الخط المطلوب، وتنقلت بشكل، رائع وحاورت بذكاء، ولديها حضور ملفت طالما فقدناه من فتاة على خشبة المسرح.

وأثنى على أداء الممثلين بشكل عام ووصفه ”بالأكثر من رائع، والتزامهم بتنفيذ ماطلب المخرج من تنقلات بالأداء والمشاهد“.

ونوه إلى قدرة الفنان ناصر عبدالواحد على ”مزج خفة الدم بالتراجيديا في بعض اللحظات، وكان له دور في محاولة تنشيط الإيقاع“.

وامتدح عودة الفنان عصام البريمان للمسرح ”بشكل رائع، بنفس الروح والأداء القوي والتلوين المعهود، رغم انقطاعه الطويل عن الساحة الفنية وكأنه لم يغيب عنها يوما، مما أفرح الجميع بعودته“.

وأطلق على الفنان عبدالعزيز العباس لفظ ”معشوق المخرجين“، واصفا إياه ”بالدينمو للعمل، وإجادته اللعبة بحيث كنا ننتظر دخوله ليعيد التوازن من جديد لسير المسرحية“.

وأشاد ”بالتناغم الجميل بين الموسيقى والإضاءة، والتزام المسؤولين بالمطلوب في جميع الجوانب، ولم يؤثر فيها سوى قلة الإمكانيات“.

وتطرق إلى بعض نقاط الضعف في العمل ”من بدئه بإيقاع هاديء جداً، ثم تصاعد ببطء شديد، حتى وصل إلى مستوى متوسط وهو المطلوب لنمط المسرحية“.

ولفت إلى أنه رغم إجادة الممثلين استخدام اللغة العربية واصفا إياها بالجميلة في هذا النوع من الأعمال، واللهجات العامية في المسرحية، إلا أنها احتوت على أخطاء ملحوظة في عودة الممثل إلى لهجته المحلية دون قصد، والذي حصل مع جميع الممثلين فلابد من الإلتفات لذلك".

ونوه إلى ”عدم التوافق في بعض الجزئيات بين الممثلين والإضاءة، ولا لوم على المخرج في ذلك، حيث أن العمل كان بروفة جنيرال وقد عملوا بإمكانيات المكان المتوفرة، ولابد أن ذلك كان بحسبانه“.