آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 4:57 ص

«يمه قلبي»

رائدة السبع * صحيفة الرأي السعودي

منذ أن اعتزل والدي الحياة وأنا أقف على حافتها متأهبة كجندي أتساءل: متى يعود لكي ينهي كل المتعلقات التي لم أستطع إنجازها وحدي؟ ولكن السرطان خطفه بصورة مباغتة لم نتهيأ لها، ذلك المرض الجبان الذي لا أعلم كيف يختار ضحاياه.

خلال هذه السنة وقفت على عدة حالات من السرطان، الأولى كانت شابة في مقتبل العمر «وردة» إن صح التعبير، وإن أردت أن أكون دقيقة في الوصف سأسميها «المقاتلة» إذ إنها حاربت ذلك الضيف الثقيل بهدوء وابتسامة ونالت منه، كما نالت درجة الماجستير في تلك الفترة وأهدتنا خلال فترة علاجها الكيميائي طفلًا جميلًا كجمال روحها.

الحالة الثانية ابنة أحد الأصدقاء، حيث كان المرض الجبان يتربص بتلك الطفلة وهي تلهو بمرح، ولو كان شجاعًا لما فعل ذلك واختفى بين أحشائها، ست ساعات استغرقها الأطباء لإزالة ذلك الورم، كانت بمثابة سنين ثقيلة من الانتظار لعائلتها، يقول والدها: تلك الصغيرة التي كنت أعي دائمًا أن علي حمايتها من الفقر والجهل واللصوص، هل علي أن أحميها من الأطباء الآن؟

أما الحالة الثالثة كانت لامرأة وهي أم لخمسة أطفال، فاجأها ذلك «الخبيث» في دماغها، كيف نستطيع إقناع طفل أن والدته ليست على ما يرام وكيف تلطف مفهوم الفراق له؟.

يترك المرض في وجدان المرضى ندوبًا لا تمحى، فقد يشعر بعض المرضى أنهم لا ينتمون لأجسادهم، ولكن هناك أشخاصًا استطاعوا التغلب على هذا المرض، أتذكر تجربة عظيمة للهندية أنيتا مورجاني، في كتابها «أموت كي أكون أنا»، تقول: في رحلتي من السرطان إلى مكان قريب من الموت إلى الشفاء الحقيقي، كان لدي خيار أن أعود، أو لا أعود، لقد اخترت العودة عندما أدركت أن النعيم حالة وليس مكانًا.

عادت «أنيتا» للحياة وسط دهشة الأطباء وتلاشت أورامها السرطانية بشكل أثار حيرة جميع الأطباء في هونغ كونغ.

تستنج أنيتا مورجاني أن الوحدانية ليست مفهومًا فكريًا، بل إنها حيث يحدث كل شيء حقيقة في آن واحد، وإننا جميعا لدينا القدرة على أن نشفي أنفسنا ونساعد على شفاء الآخرين، عندما نتصل مع المكان اللامتناهي فينا، حيث نكون الكل الوحيد، وأن واجبنا الوحيد هو أن نكون صادقين مع أنفسنا دائمًا، ونحب ذواتنا، ونسمح للأمور أن تحدث، ونتخلى حتى عن الحاجة إلى الشفاء ونستمتع فقط، ونثق في الرحلة، التي هي الحياة، ونحول مواصفاتنا إلى تلك التي تدعنا ندرك أننا واحد مع الطاقة الكونية.

أخيرًا، اهتموا بمن تحبون، ثرثروا معهم عن تلك التفاصيل الصغيرة، مشاعركم، أحلامكم، ما الذي تودون فعله، فقد تكون تلك الفرصة الثمينة التي تستطيعون فيها فعل ذلك، وإلى صديقي الذي ينتظر شفاء والدته من ذلك المرض الجبان: ستكون بخير وتعود بصوتها الحنون وتُجيبك «يمه قلبي أنا بخير».

التعقيبات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات 1
1
؛سن عيد السيهاتي
[ سيهات ]: 13 / 11 / 2019م - 8:07 ص
كلامات ناعمة رغم الالم .... احسنت رائدة