آخر تحديث: 28 / 3 / 2024م - 10:36 م

شذرات من حياة المُلاّ أحمد البطران

زكي الشعلة *

سمعت خبر وفاته ورحيله من الدنيا في صباح يوم الإثنين 21 ربيع الأول 1441 هـ وألمني الرحيل بدون سابق إنذار، فها هو الموت الذي يخطف الصغير والكبير والمتعلم والعالم فجأة بدون استئذان، فرحيل الملا أحمد البطران الخطيب الحسيني أفجع قلوبنا وأحزننا وإنا لله وإنا إليه راجعون ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم والمرجع لله، رحمه الله برحمته الواسعة وغفر الله له وأسكنه فسيح جناته مع محمد وآل محمد الكرام الطيبين.

وقد سطرت هذه الكلمات التي تحكي عن شذرات من حياة الملا أحمد البطران بحروف الألم مملؤة بالحزن على فراقه، وهذه الوقفات الحياتية رأيتها وعايشتها بنفسي مع ملانا المرحوم ذي الأخلاق الحميدة والقلب الطيب واللسان الجميل والابتسامة اللطيفة مصطحبة بدعاباته الخفيفة التي تلامس أرواح الناس وتبهج قلوبهم، وسوف أذكر بعض صفاته وأخلاقه ونشاطاته الاجتماعية حسب معرفتي به وتواصلي معه ومرافقته لفترة من الزمن مع تنوع الأحداث والمواقف التي لها تأثير تربوي على أبنائه ومجتمعه.

1» الصبر والحلم:

كان الملا أحمد البطران كفيف البصر منذ الصغر لمرض أصابه وذهب بصره بسببه، وعاش فترة حياته كفيفاً لا يرى النور، وعلى الرغم من ذلك أخذ يتعلم القرآن والخطابة من الكتاتيب ودخل معهد النور وأتقن لغة برايل للمكفوفين، وأصبح معلماً في نفس المعهد، وقد جاهد بقدر ما يستطيع أن ينشر العلم للمحرومين من نعمة البصر، فكانت بصيرته عالية وفهمه سريع، وكان صابراً على البلايا والأحداث وتحمل المعيشة وشظف العيش، ومسؤولا عن عائلته الكبيرة من أسرته وأقاربه، فكان يوفر الحياة الكريمة لهم بكل حب وامتنان وبدون طلب وتمني من أحد، فكان يسعى لرزقه بطرق متعددة وكان التوفيق حليفه، ويواجه أثناء العمل وكسب الرزق الحلال مصاعب جمة بحكم إعاقة البصر، ويسمع كلاما لاذعا من بعض الناس ولا يهتم لكلامهم وعيبهم ونقصهم، ويقابلهم بالمحبة والأخوة والابتسامة الجميلة والدعابة اللطيفة. فكان الصبر من صفاته والحلم لباسه.

2» العمل الاجتماعي:

لقد تميز الملا أحمد البطران بحب الخير لأفراد مجتمعه وبالذات أهل بلدته واهتمامه بالتنمية والمشاريع الحكومية وحرصه على المؤسسات التعليمية كالمدارس لجميع المراحل الدراسية وكذلك متابعته الجادة في تخصيص مستوصف حكومي في بلدة الحلة وقد تم ذلك ببركات جهده مع مجموعة من المؤمنين الذين كرسوا جهودهم واهتمامهم في متابعة الجهات الخاصة للمشاريع التنموية، وكان يسعى مع مجموعة من رجالات الحلة بتوفير احتياجات الأهالي من خلال الذهاب إلى المسؤولين في الدمام والرياض وهو كفيف البصر، ويأتي بخيرات كثيرة لبلده، وله الفضل في الكثير من المشاريع التنموية بالبلدة وله منا الشكر والأجر والثواب من رب العباد. وكان يشجع شباب الحلة العاطلين عن العمل بالتعليم وتكملة الدراسة ودخول الجامعات والمعاهد العلمية والصحية، ويذهب معهم للمسؤولين ويتكلم بفصاحة بالغة وبكلمات شجاعة بأن هؤلاء أبنائي ولن أخرج من المكتب حتى توعدني بقبوله في الدراسة أو العمل، وقد استفاد الكثير من الشباب بعطائه واهتمامه بهم للتوظيف أو التعليم. وكما يتميز الملا أحمد بالسلمية وحب الأمن والأمان للجميع والعيش بكرامة مع الآخرين، لذا قام بإصلاح ذات البين لبعض الأهالي وحل المشاكل الأسرية والشبابية والمقام في هذا يطول.

3» الخطابة الحسينية:

تعلم الخطابة الحسينية منذ الصغر وكان أبناؤه وأحباؤه يقرأون الكتب ويسجل أصواتهم في مسجل شريط كاسيت لكي يسمعها أكثر من مرة ويحفظها، وقد حالفني الحظ بأن أكون أحد الذين خدموا الخطيب الملا أحمد البطران ورافقته وسجلت له مجموعة من الكتب في شريط كاسيت وهو يردد معي ويصحح بعض الكلمات الخاطئة لأني كنت في مقتبل الشباب، وقد نلت من المعرفة وعلوم أهل البيت من خلاله وقراءتي للكتب الذي كان يخصصها للتسجيل والحفظ. وبدأ الملا من صغره ينعى الحسين وأهل بيته الكرام بصوته الحزين الذي تشرب في نفوسنا منذ الصغر. وكان من صفاته التواضع للصغير والكبير، وكلماته الجميلة في التحية والاستقبال، وكان زاهداً وخطيباً حسينياً متواضعاً ومصلحاً اجتماعياً كريماً وعزيزاً.

فرحم الله تلك الروح الطيبة والمؤمنة والصابرة في جنب الله والقلب الكبير الذي احتوى الجميع بحبه وتواضعه وابتسامته. جعلك الله في أعلى عليين برفقة الحسين وأهل بيته الطاهرين وأصحابه الأخيار.