آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 2:48 ص

حراس الفكر والعقيدة

أمير بوخمسين صحيفة الرأي السعودي

لعل القارئ يستغرب من هذا العنوان، فماذا يعني؟ المقصود بحراس الفكر والعقيدة هؤلاء الذين يدّعون بأنهم المدافعون عن الفكر والقيم والمبادئ الاجتماعية، وأن ما يتم طرحه في المجتمع من أفكار وقيم تخالف توجهاتهم وأطروحاتهم تعتبر باطلة، وغير مقبولة، فيقوم حراس الفكر والعقيدة بمحاربة أي تطوير وتجديد في المجتمع تحت حجج واهية تعبر عن ضيق أفق وتنم عن المحافظة على مصالحهم، كالوجاهة الاجتماعية والمصالح المادية، وغيرها من الاعتبارات الأخرى.

لذلك الدعوة من قبل هؤلاء إلى عدم إشغال عقولنا وتفكيرنا بإثارة التساؤلات والإشكالات عن بعض الأمور الفكرية والعقدية والتي أصبحت من المسلمات بل الضروريات في بعض الأحيان، وحصرها في داخل دائرة أهل العلم والاختصاص، حتى لا تشوش أفكار وعقائد العامة، والترهيب بالحلال والحرام، واتهام كل من يحاول الدخول أو النقاش في بعض المسلمات بأنه خارجي ومنحرف فكريًا وعقديًا.

لدي بعض الملاحظات من أجل التوضيح:

1 - القول بأن هذه الموضوعات قد تم مناقشتها واستوفت الإجابة حولها، يعتريه الكثير من الإشكاليات المنهجية والعلمية، فما تم طرحه من تساؤل وإجابة كان في ضوء معطيات فكرية وثقافية تخص تلك الفترة، أما الآن ومع تقدم العلوم النظرية في مجال علم اللسانيات وعلم الكلام الجديد، أصبحت تطرح إشكالات واستفسارات جديدة ينتظر الإجابة عنها.

2 - إن تحدي ومناقشة الأفكار والمعتقدات يؤدي إلى تشكيلها على نحو أفضل، إذ تحوي كثيرًا من التحديات عنصر الحقيقة فيها، وتكون النتيجة أن معتنقيها يتمسكون بها عن قناعة وإصرار لأنهم أصبحوا مدركين للحجج التي تدعم أفكارهم ومعتقداتهم.

3 - رفض وتقبل نقد الأفكار والعقائد بحجة أنها خطوط حمراء ولا يمكن المساس بها، يؤدي إلى ترك الناس لهذه الفكرة والمعتقد، حيث يعتقدون بضعف ووهن الدليل والحجة التي لديهم وأنها قائمة على تخيلات وتصورات لا أساس لها، بينما عندما يتم النقاش وتطرح الأفكار بصورة موضوعية ومنهجية فإن الفكرة والمعتقد ستكون أقوى وأكثر قابلية.

4 - أن الدعوة إلى عدم إثارة النقاش بسبب إثارة التشويش على أفكار الآخرين، وبالتالي انحرافهم، فهي دعوة ظاهرها المصلحة العامة والمحافظة على الاستقرار العقدي والاجتماعي وباطنها المحافظة على المصالح الشخصية، والوجاهة الاجتماعية وبقاء المجتمع متخلفًا وجاهلًا، تحت حجة الشوشرة ونشر الفوضى في المجتمع، وبالتالي سيسود الفساد في المجتمع عندما تثار النقاشات.

هذا في الوقت الذي أصبحت فيه المعارف والعلوم والمحاضرات والنقاشات في متناول الجميع بعد الثورة العلمية وثورة الاتصالات، فلم تعد سياسة التغطية والإخفاء بحجة حماية طائفتي أو مجتمعي مفيدة كما كانت سابقًا، حيث يتم تداول العلوم فقط بين طلاب العلم.

نحن في زمن يتطلب منا الانفتاح والنقاش الفكري الموضوعي وعدم استصغار أو ردّ أي مسألة يتم عرضها من قبل أبناء المجتمع للنقاش فيها، فمجتمع قاعدته الفكرية والعقائدية صلبة ومتينة أفضل من مجتمع مغيب وجاهل ينتهي به الأمر إلى التطرف والحروب الداخلية بين أبنائه.