آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 11:37 ص

دكتاتورية أسرية

ورد عن أمير المؤمنين : ﴿لا يكن أهلك وذووك أشقى الناس بك. «غرر الحكم ج 1 ص 745».

الدفء الأسري والعلاقات القائمة على الإحترام والثقة والمحبة المتبادلة هدف سام من أهداف الجانب الاجتماعي الإسلامي، وأي اختراق لهذه القيم الأسرية المبنية عليها سعادة واستقرار الأسرة سيحيل ذلك المكان إلى جحيم لا يطاق، حيث يسود الاضطراب علاقة الأفراد ويعاني البعض من تنمر أحد الوالدين، حيث أن بعض الآباء يحافظ على صورته الجميلة خارج المنزل بينما يتحول إلى وحش ينهش أفراد أسرته، أو أنه يجلب معه إلى البيت ما يعانيه في العمل أو في محيطه الاجتماعي من مشاكل وضغوط إلى بيته فيبدو متجهما، وأقل احتكاك أو خلاف في الرأي يثور كالبركان يرمي بحمم كلماته النارية دون مراعاة لمشاعر من يقف أمامه ومن يستمع له من أفراد أسرته، هذا التنمر والعنف والمعاملة القاسية مع الزوجة والأبناء يعبر عنه أمير المؤمنين بالشقوة الأسرية، فبدلا من عمل الوالدين على إسعاد أفراد أسرتهما والعمل على تنمية قدراتهم وتوجيههم نحو نقاط القوة والإيجابية، يمتهن أب أو أم غير مسئولين تشقية وتعذيب أسرتهما بتجفيف منابع العاطفة الصادقة وتقويض أسس الاستقرار، وتضعيف روح التواصل الإيجابي المثمر عندهم نتيجة للعنف السائد في الأسرة.

من مفردات الثقافة الأسرية طريقة التعامل والتفاهم بين الزوجين، فعلاقتهما تنعكس على تربية أبنائهم إما في بيئة يكتنفها الطيب والاحترام والمودة، أو في بيئة تفتقد لأبسط أبجديات التعامل كالثقة في الآخر والمعاملة الحسنة معه، وبالطبع ستكون هذه الأسرة الخاوية نواة مخرجية لشباب وفتيات لا يمتلكون مهارات الذكاء الاجتماعي وطرق التواصل الإيجابي.

وتبتلى بعض الأسر بأبوين - وللأسف - لهما تعامل مزدوج يمتاز بالحسن في الخارج بينما يختلف تماما عما يقع داخل الجدران، فمن رأى ذاك الأب في حسن تعامله وابتسامته التي لا تفارقه يبدي الكثير من الثناء عليه ويغبطون أبناءه على هذا الأب الرائع، لما يتوقعونه مما ينالهم من محبة واحترام في أحضانه، وتلك الأم يسمع منها الجارات والصديقات الكلام المنطقي والدعوة إلى بسط الحوار مع الأبناء، ويرون منها كرما وبساطة تختفي حينما تحل ظلا ثقيلا على أبنائها، فينقلب المشهد ويتحول إلى ساحة صراع ويعلو الصراخ والعنف اللفظي.

العلاقة الزوجية تندرج تحت عنوان عريض هو فن التعامل مع الآخر وفق أسس تحفظ لك المحبة والاحترام والجاذبية، والعمل المشترك على تذليل العقبات والصعاب وإيجاد الحلول لما يواجهانه من مشاكل وخلافات في الرأي، وهذه الجدارية القوية للأسرة السعيدة تحتاج إلى أفق معرفي يتفهم طبيعة العلاقة الزوجية بأنها عطاء وتضحية، وأي أسلوب ملتوي يهدم هذه العلاقة كالعناد واستصغار شريك الحياة وتجاهل وجوده وآرائه والحرمان العاطفي، فإهمال الزوج أو تعسفه في التعامل لا ينتج عنه إلا تدميرا للعش الزوجي وتحويله لبيئة موبوءة.

والسؤال المهم: كيف يمكن للأب الناجح أن يقيم أسس السعادة والطمأنينة والأمان في أسرته؟

الأسرة السعيدة مبنية على المشاركة الوجدانية وتفقد أحوال من يقطنون معه في بيت واحد، ويكون عونا له بتقديم المشورة والنصح لما يواجهه من نواقص وعيوب ومشاكل، والأب الناجح يربي أسرته على الحوار واتخاذ القرارات المشتركة واحترام وتفهم وجهة نظر الآخر «بلا دكتاتورية»، ويشارك أفراد أسرته همومهم وتطلعاتهم مع ما تتطلبه حياته المهنية والاجتماعية من وقت وجهد، إلا أنه يقسم وقته بما لا يحرمهم من تواجده بينهم.

ولا يشقيهم بإظهار الخلافات مع شريك حياته والمشاحنة والصراخ أمامهم، بل يعلمهم احترام الآخر بما يمارسه عمليا من مداورة أي خلاف مع زوجته بعيدا عن أنظار ومسامع أبنائه بأسلوب راق هاديء.