آخر تحديث: 19 / 4 / 2024م - 2:22 م

الطبائع.. المجتمع

محمد أحمد التاروتي *

تولد التقاليد الاجتماعية سلوكا معينا على الطابع العام للشرائح الاجتماعية، لاسيما وان ”المحرمات“ و”المباحات“ الاجتماعية ترسم خارطة طريق للفرد في البيئة الاجتماعية، مما يدفعه لمحاولة السير وفقا تلك القواعد المرسومة، للحصول على ”الرضا“ او أحيانا لتفادي ”النقمة“ من العديد من الفئات الاجتماعية، خصوصا وان القواعد الأخلاقية تمثل نظاما صارما يستوجب الالتزام، الامر الذي يعرض البعض للطرد او العزلة بمجرد الخروج عن تلك القواعد الاجتماعية.

النظرة للطبائع الفردية تختلف باختلاف الثقافة الحاكمة في المجتمع، فهناك بيئات اجتماعية لا تنظر للطبائع الفردية بمعزل عن السلوك العام، خصوصا وان الفرد يمثل عنصرا أساسيا في العقل الجمعي، مما يفرض التمسك بالسلوك المنسجم مع الطابع العام، وبالتالي فان الخروج عن تلك الطبائع تستوجب موقفا صارما، بهدف إعادة الأمور لسابق عهدها، فالسكوت يخرج الأمور عن السيطرة، ويسهم في تفتيت البيئة الاجتماعية من الداخل، الامر الذي يتطلب اعلان ميثاق اجتماعي حاكم على الجميع.

في المقابل، لا تلقي بعض المجتمعات أهمية بالغة للسلوك الفردي، باعتبارها من الخصوصية والحرية الشخصية، فهناك قواعد عامة تستوجب التوقف عنها، وعدم تجاوزها على الاطلاق، فيما لا تشكل السلوكيات الفردية خطرا كبيرا على البيئة الاجتماعية، بمعنى اخر، فان الحرية الخاصة مكفولة ومصانة في جميع الأحوال، فيما يكون الموقف مختلفا بمجرد التعدي على النظام العام الحاكم على الجميع، وبالتالي فان السلوك الفردي ليس مدعاة لاعلان حالة الطوارئ على الاطلاق، فالامور تبقى ضمن الاطار المسموح ما دامت لم تتجاوز النظام الاجتماعي العام.

الاختلاف في النظرة للطبائع الفردية في المجتمعات، مرتبطة بالقدرة على الاستيعاب، والثقافة السائدة، وبالتالي فان كل طرف يمتلك القدرة على تبرير موقفه تجاه القضية، بيد ان الأمور تبقى ضمن سياق الحفاظ على النظام الاجتماعي الحاكم، فالقاسم المشترك بين وجهتي النظر تتمثل في أهمية تكريس القواعد الأخلاقية الثابتة في السلوكيات العامة، بما يسهم في الحفاظ على التوازن والاستقرار الاجتماعي، خصوصا وان تجاوز النظام الاجتماعي يهدد البيت الداخلي، ويدفع باتجاه الخروج عن السيطرة، مما يؤسس لحالة من الانفجار السلبي بين الفئات الاجتماعية على اختلافها.

الطبائع الفردية تمثل المدخل الأساسي، لتشكيل بعض الأسس الأخلاقية الثابتة، لاسيما وان وجود فئات قادرة على الالتزام بالمبادئ والثوابت الاجتماعية، يؤسس لحالة من الارتياح العام في البيئة الاجتماعية، فالفرد بامكانه تخريب الاستقرار الأخلاقي، بانتهاج سلوكيات خارجة عن القواعد الثابتة، مما يدفع البعض لمحاولة الخروج عن المسار، والعمل على كسر تلك الثوابت بطرق مختلفة، مما يعني فتح الأبواب على مصراعيها امام مزيد من الانحراف السلوكي، بحيث تنعكس على ضرب التقاليد الاجتماعية الحاكمة.

إيجاد المناخ الإيجابي للالتزام بالطبائع المحمودة عملية ضرورية، خصوصا وان الفرد يتأقلم بشكل مباشر، بما يجري في الساحة من تفاعلات بمختلف الأصعدة، فاذا كانت الأجواء مشحونة بالعداوة والخصومة والانتقام، فان السلوك الفردي لن يخرج عن التأقلم بهذه النوعية من الممارسات اليومية، نظرا لوجود ثقافة اجتماعية تشجع على اتخاذ هذا المسلك، في شبكة العلاقات اليومية، بينما سيكون الوضع مختلفا تماما في المجتمع الذي ينشر ثقافة التسامح، والتجاوز عن الأخطاء، بحيث يترجم على الممارسات اليومية في حياة الفرد، الامر الذي يسهم في تكريس الطبائع الأخلاقية الحميدة، في المرتكزات الفكرية لدى الافراد.

المجتمع ما يمثله من مظلة حاكمة في توجيه السلوكيات لدى الافراد، فانه قادر على ضبط الايقاعات بما يحقق المصلحة العامة، ويعزز منظومة القيم في البيئة الاجتماعية، خصوصا وان الانفلات القيمي يترك اثارا سلبية على مختلف الشرائح الاجتماعية، ”الخير يخص والشر يعم“، وبالتالي فان توجيه الطبائع بالاتجاه الإيجابي، يخلق بيئة اجتماعية قادرة، على تحكيم العقل على النوازع الشريرة، التي تحركها المطامع الدنيوية في الغالب.

كاتب صحفي