آخر تحديث: 28 / 3 / 2024م - 9:48 م

المشروعية.. المجتمع

محمد أحمد التاروتي *

الحصول على المشروعية، تارة تكون ب ”الغلبة“، وتارة أخرى بالتأييد الشعبي.. فهناك جدل كبير في عملية انتزاع المشروعية، فالطرف الذي يذهب لاكتسابها عبر ”الغلبة“، لا يجد مشكلة في التسلق على اكتاف الاخرين، للتربع على القمة، سواء كان بالطرق الشرعية او غير الشرعية، لاسيما وان الحصول على المشروعية ليس ذات أهمية كبرى، خصوصا في ظل القدرة على انتزاعها بالقوة، وفرض الامر الواقع، وبالتالي فان فريق هذه النظرية لا يجد غضاضة في اصباغ الشرعية، لكل يمتلك القدرة على السيطرة على الساحة الاجتماعية، الامر الذي يعزز موقعه في البيئة الاجتماعية، والحصول على المشروعية.

فيما يقف انصار النظرية الثانية في الطرف المقابل، فالمشروعية ورقة ليست متاحة للجميع، بحيث تحتاج الكثير من الجهد والعمل، لانتزاع هذه الورقة من البيئة الاجتماعية، لاسيما وان ”الغلبة“ تجلب معها الكثير من المشاكل على الصعيد الداخلي، نظرا للانقسام الحاصل في المجتمع جراء استخدام العنف في السيطرة على المجتمع، وبالتالي فان إضفاء الشرعية امر بالغ الحساسية على المجتع بشكل عام، مما يستدعي وضع المعايير الصارمة في عملية الاختيار، ومنح الشرعية لفئات الاجتماعية.

كل طرف من الأطراف يمتلك المبررات والمصوغات، للتمسك برأيه في التعامل مع ”المشروعية“، خصوصا وان الصراع القائم ليس وليد الحقبة الزمنية الحالية، وانما يمتد للحقب التاريخية السابقة، وبالتالي فان الاختلاف سيبقى قائما بين أصحاب تلك النظريات الحاكمة في المجتمع، فتارة يستحوذ انصار نظرية ”الغلبة“ على الساحة الاجتماعية، نظرا لما يمتلكه من قدرات وإمكانيات ضخمة، مما يمكنه من فرض ارادته على الرأي العام، فيما يجد انصار النظرية الأخرى ”الاختيار“ مساحة واسعة، للسيطرة على الأجواء العامة، بحيث تتمثل في اطلاق ”الانتخابات“ او التأييد الشعبي المستند، على المبادرات او الاعمال الجليلة، الامر الذي يتمثل في الحصول على التفويض المطلوب للانطلاق بحرية، فيما يعود على البيئة الاجتماعية بالفائدة المرجوة.

المشروعية لا تقتصر على الاطار السياسي او الاقتصادي والاجتماعي، فهي عملية تشمل جميع الأصعدة والجوانب، اذ من الصعب حصرها ضمن نطاق محدد، او محاولة وضعها في قالب واحد، خصوصا وان المشروعية بمثابة التفويض الكامل من الفئات الاجتماعية للتحرك بحرية، من اجل الانخراط في المشاريع على اختلافها، الامر الذي يستدعي إيجاد الضوابط الحاكمة، بعيدا عن العواطف او الاهواء الخاصة، نظرا للتداعيات المترتبة على إضفاء المشروعية، على اطراف غير قادرة على تحمل المسؤولية، او الفشل في النهوض بالمجتمع بشكل المطلوب، وبالتالي فان محاولة التقليل من تحديد الاليات الحاكمة في منح المشروعية، ينم عن قصور في القدرة على ادراك المهام الكبرى، التي تضطلع بها الشخصيات بمجرد منحها المشروعية.

المناخ الاجتماعي السائد يلعب دورا أساسيا في توجيه المشروعية، فاذا اتسم المجتمع بالقدرة على الاختيار، ورفض مختلف أصناف التسلق على الاكتاف، فان الأطراف الساعية للحصول على المشروعية، تحاول استرضاء الفئات الاجتماعية عبر استخدام الاليات المناسبة، لاكتساب المشروعية، والحصول على التفويض الشعبي، خصوصا وان المجتمع يمثل مرآة عاكسة لاتجاه الرأي العام، فيما يتعلق بمختلف التوجهات المتعلقة بالعمل الاجتماعي.

غياب الاليات والضوابط في إضفاء المشروعية، يمثل مدخلا لشيوع ثقافة ”الغلبة“، او سيطرتها على المناخ العام، خصوصا وان البعض يحاول استغلال مثل هذه الثغرة في انتزاع المشروعية من البيئة الاجتماعية، وبالتالي فان عملية تحصين المجتمع من ثقافة ”الغلبة“، يستدعي وضع الأمور في النصاب الصحيح، عوضا من انتهاج الاليات الفوضوية ذات الأثر السلبي، على التحرك الاجتماعي بشكل عام، بمعنى اخر، فان التحرك السليم يتمثل في تحديد المسارات اللازمة، لخلق واقع مثالي، ومعايير صارمة، فيما يتعلق بالمشروعية.

تبقى المشروعية عنصر أساسي في عملية النهوض الاجتماعي، لاسيما وان وجود التفويض العام يقضي على النزاع بين الأشخاص، نظرا لوجود عناصر تحاول السيطرة على المجتمع، عبر الاليات غير المشروعية، مما يقود لحالة من الصراع الداخلي، بحيث يؤثر على التماسك الاجتماعي في نهاية المطاف.

كاتب صحفي