آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 11:37 ص

نحو حياة أفضل

ورد عن أمير المؤمنين : ﴿قدر الرجل على قدر همته «نهج البلاغة: الحكمة 47».

لكي لا يشط بنا البحث عن نقطة التمايز بين الشخصيات ووضع معيار يبين لنا قيمتنا الفعلية بعيدا عن الوهم وانتفاخ الذات، يضع لنا أمير المؤمنين معيارا للتفاضل ألا وهو الهمة وإرادة التغيير، فقد يكون الفرد حالما بأهداف كثيرة ينجزها ولكن منصته لتلك التوقعات كانت الخيالات لا أرض الواقع العملي، وقد يكون آخر يحمل تصورا خاطئا عن نفسه وهو في الحقيقة بعيد عن معنى الإنجازية والإبداع.

أنظر في قيمة المرء إلى مستوى إرادته فستعرف ما سيكون عليه حاضره ومستقبله، وذلك أن تغيير الواقع ونسج معالم النجاح والتميز لا يكون فاعلا وحقيقيا إلا إذا كانت هناك قوة تعمل على تذييل العقبات ومواجهة التحديات.

هل تملك تصورا لما تريد تحقيقه في المستقبل، وما يصادفك حينها من عقبات تحتاج لآليات لتجاوزها؟ الناس من حولك تتباين قدراتهم وتوجهاتهم، فهناك من يتصف بالهمة وتوقد الفكر ويوظف هذه القدرات لشق طريقه في الحياة، وذلك أن قدراته والفرص التي يسعى لتحصيلها تتنقل به من مضمار إلى آخر، فكأن أيامه محطات يتنقل بينها من نجاح مرحلي إلى آخر، وحتى ما يقابله من صعوبات لا يمكنه رفع الراية البيضاء أمامها بل يرى فيها فرصا اختبارية تكشف له واقعه ونقاط ضعفه.

وهناك من يتسمر في مكانه ويقبل بالعيش الهامشي الذي لا حراك ولا طموح فيه يكون محركا له نحو تغيير واقعه نحو الأفضل، ويصاب بالتبلد وفقدان الحساسية تجاه تقدمه في العمر دون أن يرسم أهدافا يسعى نحوها، أو يطرح تصورا لغاياته فيتحرك نحو تنفيذها على أرض الواقع، بل ويعيش الغربة تجاه ما يراه أو يسمعه عن التصور المستقبلي والعمل الحثيث نحو تحقيق ذاته، إنه يستصعب كل خطوة والأشد فظاعة أنه يطرح من المبررات لتقاعسه وتكاسله ما يقنع به نفسه الراضية بالدون من العيش.

أمير المؤمنين يؤصل لنا منهجية التحرك والجهد كمعيار يحدد وزنك وقيمتك، تجنبا للوقوع في وهم السراب والنرجسية، والتي يستشعر معها وكأنه بطل أوحد لمجرد خطوة تحركها أو مهارة يتقنها، فالمعيار الحقيقي لمكانتك مقدار ما تحمله من طموح وآمال واقعية تخطط بعناية لتنفيذها، فالعمل الحثيث لا يتعب النفوس العالية كما يتوهم ضعفاء الهمم، وذلك لأن الشعور بالرضا عن النفس إيجابيا ينظر إلى التطور والتقدم الذي يسير باتجاهه، فيستغل وقته دونما أي تضييع لتنمية جوانب شخصيته مهاريا ومعرفيا واجتماعيا، وهذا ما يمايز ما بين الشخصيات الطموحة التي لها حضور في عالم الإنجاز وبين المتبلد الذي يضيع عمره دون تحقيق أبسط النتائج.

الطموح المبني على دراية بالقدرات مع تخطيط مدروس لما يحمله من أهداف هو ما يدفعه بقوة ومثابرة لخوض غمار العمل، وتنمية القدرات التفكيرية وسبل توظيفها في مواجهة التحديات والإنجاز وحل العقبات من عوامل تقوية الإرادة، كما أن التخطيط الدقيق والمدروس يجنبنا الكثير من الأخطاء والأداء الضعيف الذي تكثر فيه النواقص.

فالهمة العالية التي تبين المكانة الرفيعة للإنسان والدالة على مستقبل واعد ينتظره مرصع بالإنجازات، هي ما يدفعه نحو تنمية قدراته ومهاراته من أجل السير في طريق النجاح بقوة، وهذا لا يعني أنه لن يواجه عقبات وصعوبات تشكل حواجز بينه وبين هدفه المنشود، ولكن قوته المهارية تحفزه نحو مواجهة التحديات والبحث عن سبل تجاوزها.

وانطلاقة ذوي الهمم تبدأ من معرفة ما وهبهم الله تعالى من قدرات يثقون بأنهم قادرون من خلالها على صنع عالمهم الخاص وفق ما يأملون، وليس هناك من عدو لدود للمرء كضعف الثقة بنفسه والذي يجعله مترددا وعديم المبادرة والإمساك بخيط العمل.