آخر تحديث: 20 / 4 / 2024م - 2:34 ص

نتائج الانتخابات البريطانية.. انتصار ساحق للبريكسيتيرز

محمد محفوظ *

CONTENT

بالثاني والعشرين من يونيو من عام 2016 توقفت الملايين من القلوب عن العمل للحظات بالمملكة المتحدة على وقع إعلان نتائج الاستفتاء الشهير الذي قرر من خلاله غالبية أبناء الشعب البريطاني إخراج بلادهم من منظومة الاتحاد الأوروبي مرة واحدة وإلى الأبد، نتائج ذلك الاستفتاء شكلت صدمة غير متوقعة لليسار الليبرالي ومناصري العولمة والذين تفاجؤا من رفض المواطن البريطاني البسيط الخطة المستقبلية التي خطها هؤلاء لبريطانيا والعالم، ولعلنا نتذكر هذا الحدث جيدًا فحينها كان الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما من مناصري“البقاء”بل وقد جاهر بمشاعره أثناء زيارة له للمملكة المتحدة لدعم صديقه ديفيد كاميرون والذي بدوره دعى للاستفتاء لإخراس الأصوات اليمينية المطالبة باستقلال القرار البريطاني عن المنظومة الأوروبية غير أن ما تحصل عليه كان مخالف تمامًا لتوقعاته وهو ما تسبب باستقالته.

إذًا انتصر اليمين على اليسار بهذا الاستفتاء أو لنكون أكثر دقة هكذا صور لنا سياسيو الصف الأول مدعومين بوسائل الإعلام الموقف حينها، أنها حرب ضروس بين اليمين واليسار وأن الشعب البريطاني شُوش على أفكاره ولم يكن واعيًا لحقيقة هذا الاستفتاء ومخاطره على مستقبل بريطانيا والعالم، وعلى ذلك ومنذ ذلك الاستفتاء الشهير دخلت المملكة المتحدة دوامة من الاقتتال السياسي العلني بين يمين محافظ ويسار ليبرالي وطبقة من رواد الأعمال صُهرت بالمنتصف بين حقوق هذا وادعاءات ذاك، أتت ثيريزا ماي كرئيسة وزراء واعدةً الشعب البريطاني بتحقيق“بريكسيت”غير أنها فشلت وتنحت بدورها لـ بوريس جونسون الذي وجد الساحة السياسية مليئة بالصعوبات والعراقيل منذ البداية، ثلاثة سنوات كاملة حاول خلالها المحافظون إكمال خروج بلادهم من الاتحاد الأوربي غير أنهم فشلوا بعلامة امتياز وسط انقسام بالبرلمان وحرب ضروس شنها اليسار ممثلاً بحزب العمال وقائده جيريمي كوربن على تلك المساعي.

الأمر لم يتوقف عند هذا الحد فقد اتخذ جيريمي كوربن وحزبه اليساري موقفًا عدائيًا لفكرة الخروج من منظومة الاتحاد الأوربي معتمدين بشكل أساسي على انقسام البرلمان واستحالة تمرير القرار عن طريقه، ليبدأ الحزب وقائده بعد ذلك الترويج لفكرة إجراء استفتاء جديد تحتكم فيه كل الأطراف المتنازعة لقرار الشعب، الغريب بهذه المقاربة أن اليساريين طالبوا بتطبيق أسس الديمقراطية بإجراء استفتاء آخر غير أنهم لم يروا بالوقت نفسه أن الاستفتاء الأول استشفى النهج الديمقراطي على اعتبار أن الشعب حينها شوش عليه من قبل مواد إعلانية نشرت معلومات كاذبة، بدى اليساريون حينها كالطفل الصغير الرافض لفكرة عدم قدرته التحصل على قطعة من الحلوى، فإما أن نتبع الطريق الديمقراطي وأفوز أنا وإلا سنعيد الكرّه حتى نتحصل على ما نريد؟

ظهر بوريس جونسون الذي يمكن تعريفه على أنه أحد أفضل سياسيي العصر الحديث تمكنًا وإجادةً لإدارة الحملات الإنتخابية بفكر مختلف بعض الشيء عمن سبقه، طريق بريكسيت كان مغلقًا أمامه وعلى ذلك كانت الإنتخابات المبكرة فرصته الوحيدة لتحقيق مراده، اللطيف بالأمر أن اليساريين والمعارضين لفكرة الخروج من الاتحاد الأوربي لم يعارضوا هذا التوجه بناءًا على ثقتهم بوعي الشعب البريطاني الذي تشبع بأفكارهم المعارضة لبريكسيت خلال السنين الثلاث الأخيرة وعلى ذلك رحبوا بالفكرة معتبرين أنها فرصتهم لقتل بريكسيت إلى الأبد.

نتائج الانتخابات أتت صارخة مدوية واضحة ولا يمكن تأويلها، حيث تحصل حزب المحافظين بقيادة رئيس الوزراء بوريس جونسون على أغلبية ساحقة ستضمن له استكمال مساعيه بإخراج بريطانيا من منظومة الاتحاد الأوروبي مع نهاية شهر يناير 2020، كل ما كان حزب المحافظين بحاجه له هي 326 مقعد برلماني غير أنهم تحصلوا على 364 مقعد مما يعني أغلبية كافية للسيطرة على الحكومة وتمرير بريكسيت بأسرع وقت ممكن، أداء حزب المحافظين بهذه الانتخابات هو الأداء الأفضل منذ مارغاريت ثاتشر بعام 1987 وهي فترة ليست بالبسيطة مما يدعونا للقول بأن هذه الانتخابات بما لا يدعو للشك غيرت رسم الخريطة السياسية الحديثة للمملكة المتحدة.

ولربما أبرز الاستنتاجات التي يمكن رسمها مع نهاية الانتخابات تتعلق بإصرار الشعب البريطاني على قراره الحاسم عام 2016 برفض العولمة والخروج من منظومة الاتحاد الأوربي، وهو ليس انتصار لـ بوريس جونسون فحسب بل أيضًا لـ دونالد ترامب الذي دعى البريطانيين للخروج من الاتحاد الأوربي عام 2016 ويتخذ مواقف سياسية مماثلة ضد العولمة وفرض الليبرالية العالمية قسرًا على الشعوب من قبل سياسيي الصف الأول سواءًا بالولايات المتحدة أو بمنظومة الاتحاد الأوروبي، الآن بات الطريق ممهدًا لاتفاق تجاري ضخم بين الولايات المتحدة وبريطانيا بمعزل عن الأوربيين الذين باتوا على يقين أن تأثيرهم داخل أسوار المملكة المتحدة لم يعد كما كان سابقًا قبل عشرة إلى عشرين سنة مضت حيث تساقطت قوى اليسار كأوراق الخريف واحدة تلو الأخرى، قائدة الحزب الليبرالي الديمقراطي خسرت مقعدها البرلماني في مفاجئة مدوية، بينما تعرض حزب العمال لصفعه بخسارته 42 مقعد مع أداء مخيب بشمال بريطانيا وأسوء أداء عام للحزب منذ 1935.

إذًا كسب بوريس المعركة أخيرًا، والأهم من ذلك كله أن الشعب البريطاني الذي سأم محاولات اليسار المتواصلة طوال ثلاثة سنوات لتعطيل بريكسيت وتغيير مسار قرار الشعب قد حسم أمره وبعث برسالة واضحة المعالم لا يمكن تأويلها على الإطلاق، بالرغم من محاولات كثيرة لتعطيل بريكسيت وبالرغم من ساعات طويلة خصصتها بعض الشبكات الإعلامية الشهيرة من أمثال سي إن إن وبي بي سي المائلة لليسار للتحذير من مخاطر بريكسيت ومحاولة إقناع المواطن البسيط بالعدول عن قراره وتصحيح طريقة تفكيره ونظرته للعالم من حوله إلا أنه على ما يبدو لم يعد تأثير هذه الشبكات على العقول كما كان بالعقود الماضية، لم يعد المتلقي على استعداد لمنح ثقته لهذه الشبكات الإعلامية التي باتت متحيزة بقدر كبير وفاضح لطرف على حساب آخر وهو ما يتعارض مع رسالة الإعلام الحقة وينفر المتلقي من تخصيص جزء من وقته اليومي للاستماع والاستفادة من نقاش يتحمل وجهتي نظر لا وجهة نظر واحدة.

متخصص بالإدارة و التسويق و التجارة الإلكترونية، أرى هذا العالم بمنظور خاص قد يكون مختلف بشكل نسبي عمّن حولي، لي إهتمامات كثيرة من بينها علاقات الدول السياسية الإقتصادية، التغيرات المناخية و تأثيرها على الإقتصاد العالمي و التوعية البيئية.