آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 4:57 ص

الاعلام.. المجتمع

محمد أحمد التاروتي *

يشكل الاعلام أداة أساسية في احداث تحولات دراماتيكية، في بنية التفكير الاجتماعي، فهو يمتلك مختلف الوسائل للسيطرة على اتجاهات الرأي العام، فتارة يختار مسار اليمين وطورا يتجه صوب الشمال، تبعا للتطورات المتلاحقة على الأرض، خصوصا وان اتخاذ طريقة موحدة في التعاطي مع المتغيرات، لا يخدم بعض الجهات المسيطرة على الوسائل الإعلامية، مما يفرض التفاعل السريع مع الاحداث سواء الداخلية او الخارجية، لاسيما وان التغافل عن ملأ الفراغ يفتح الطريق امام الجهات المنافسة، للسيطرة على العقل الجمعي الاجتماعي، وبالتالي فان العمل على الدوام لقراءة الواقع يخدم الجهات النافذة، ويحقق العديد من الأغراض، على المدى القريب والبعيد في الوقت نفسه.

الانتقال المفاجئ والسريع، من الشمال الى اليمين والعكس، مرتبط بالقدرة الفائقة للاعلام على توجيه الرأي العام الاجتماعي، فهناك فئات اجتماعية ليست قادرة على الاختيار، او اتخاذ القرار بعيدا عن الماكنة الإعلامية، مما يدفعها للاستجابة السريعة مع التحولات الكبرى، في المواقف تجاه الملفات القائمة، بحيث تبنى موقفا متشددا، ولكنها سرعان ما تدعو للانفتاح بعد فترة قصيرة، تبعا لاتجاهات الضخ الإعلامي المركز تجاه القضايا ذاتها، وبالتالي فان السيطرة على العقل الجمعي يمثل هدفا أساسيا لدى الاعلام، لاسيما وان البيئة الاجتماعية تشكل الحاضنة الأساسية في دعم المواقف، مما يستدعي وضع الاليات للحصول على تأييدها، ومباركتها تجاه القضايا القائمة، خصوصا وان فقدان القاعدة الشعبية يشكل صدمة كبرى لاصحاب النفوذ الاجتماعي، مما يفرض حالة من انسجام المواقف بين الماكنة الإعلامية، والرأي العام الاجتماعي.

مقاومة الضخ الإعلامي عملية صعبة، ولكنها ليست مستحيلة على الاطلاق، فالمرتكزات الفكرية تمثل منطقا أساسيا، في التفاعل الواعي مع اللعبة الإعلامية، لاسيما وان الاعلام يلعب على وتر العاطفة أحيانا، والحشد الاجتماعي أحيانا أخرى، فهو يحاول رصد الواقع الاجتماعي بهدف وضع الاستراتيجية، والأسلوب المناسبة لتوجيه الرأي العام، خصوصا وان التفاوت الثقافي واختلاف التفكير تفرض اليات متعددة، تبعا للظرف الزماني والمكاني، فالاسلوب الذي يستخدم في المرحلة الحالية، يصعب تطبيقه في المراحل اللاحقة، نظرا لاختلاف التفكير وتنوع الشرائح الاجتماعي، وبالتالي فان الوسائل الإعلامية تعمل على خلق واقع مغاير، ينطلق من المعطيات على الأرض، من اجل تحقيق الغايات والاهداف المرسومة، لاسيما وان الدخول في دوامة الفشل لا يخدم الجهات القائمة على الاعلام.

التعامل بعاطفية مع البيئة الاجتماعية، يمثل احد الأساليب المتعارفة، اذ يحاول الاعلام دغدغة المشاعر بشكل مباشر، من اجل كسب التعاطف الاجتماعي، والقضاء على محاولات الرفض، لدى الغالبية العظمى من الشرائح الاجتماعية، اذ يحاول استخدام المفردات الأكثر قدرة على اثارة الجانب العاطفي، بعيدا عن التفكير العقلاني، فتارة باستخدام الاحداث المأسوية، وتأليب الرأي العام، تجاه بعض الأطراف الأخرى وتارة أخرى بالاستفادة من الشخصيات العامة، ذات القدرة على التأثير على الشريحة الواسعة، وبالتالي فان تعدد الوسائل للسيطرة على التفكير الجمعي، يدخل ضمن اللعبة الإعلامية المستمرة على الدوام.

استخدام الطريقة غير المباشرة، في التأثير على المتلقي، يمثل احد الأساليب في توجيه الرأي العام الاجتماعي، خصوصا وان الطريقة المباشرة لا تخدم المشروع المرسوم، نظرا لوجود نوع من ”التمنع“ الداخلي، مما يفرض وضع الخيارات الأخرى والبديلة، وبالتالي فان محاولة الدخول من ”الشباك“، عوضا من الولوج من الباب، يكون اجدى على المدى البعيد، لاسيما وان البعض يتعامل بحذر مع التوجيه المباشر، مما يستدعي اختيار الطرق الأخرى للسيطرة على هذه الشريحة في المجتمع، بمعنى اخر، فان التوجيه المباشر يواجه في بعض الأحيان بالمقاومة واللامبالاة، نظرا لوجود حالة من الشك والريبة تجاه الأسلوب المباشر، الامر الذي يفسر فشل الاعلام المباشر في السيطرة على التفكير الجمعي، نظرا لارتفاع منسوب المقاومة لدى العديد من الفئات الاجتماعية، بحيث يفرض استخدام ”اياك اعني واسمعي يا جارة“.

التعقيبات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات 1
1
محمد جاسم
[ الأحساء ]: 23 / 12 / 2019م - 10:44 م
كل إعلام مؤدلج

فهو يغير ثقافة أي مجتمع خصوصاً الذي يغلب عليه الجهل أو الثقافة السطحية إلى ثقافة أخرى وقد تكون ضد تعاليم ديننا.

وإذا كان الإعلام لا يحمل قيماً دينية فسيستورد ثقافة الغرب ويبثها بيننا.
كاتب صحفي