آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 4:57 ص

ضمير المحكمة الدولية

محمد أحمد التاروتي *

يمكن اعتبار قرار المحكمة الجنائية الدولية إجراء تحقيق شامل في ”جرائم حرب“ في الأراضي الفلسطينية المحتلة، كونه صحوة ضمير عالمي ”متأخرة“ للغاية، فالقرار يأتي بعد سبعة عقود من عمليات القتل، والتهجير المنظم بواسطة الاحتلال الإسرائيلي، تجاه الشعب الفلسطيني، بحيث شمل البشر والحجر على حد سواء.

اعلان ممثلة الادعاء في المحكمة الجنائية الدولية، فاتو بنسودا، الرغبة فتح التحقيق ب ”جرائم حرب ارتكبت أو ترتكب“ في الضفة الغربية التي تحتلها إسرائيل، والقدس الشرقية وفي قطاع غزة، خطوة إيجابية باتجاه رصد جميع الانتهاكات الإرهابية الإسرائيلية، ضد الشعب الفلسطيني طيلة العقود الماضية، لاسيما وان الاحتلال الإسرائيلي اتخذ من الغطاء الدولي موافقة ضمنية، على الاستمرار في التنكيل بالشعب الفلسطيني، حيث يمارس مختلف أنواع الإرهاب في مختلف الأراضي المحتلة.

غض الطرف الذي تمارس الدول الكبرى، تجاه الاعمال الوحشية للجيش الإسرائيلي، وكذلك الحكومات المتعاقبة في تل ابيب، شجعها على مواصلة استخدام الممارسات الوحشية، تجاه الشعب الفلسطيني الأعزل، خصوصا وانها تمتلك غطاء دوليا يقف معها في المحافل الدولية، بحيث يقطع الطريق امام اية مشاريع للادانة او المحاسبة، من خلال الاستخدام المتكرر لحق النقض الفيتو، من لدن الولايات المتحدة، في مختلف القرارات الدولية المتعلقة بالاعمال الإرهابية، المرتكبة بحق الشعب الفلسطيني.

دخول المحكمة الجنائية الدولية، على خط التحقيق في جرائم الحرب الإسرائيلية بحق الشعب الفلسطيني، يمثل تطورا لافتا، وغير مسبوق على مدى العقود الماضية، لاسيما وان إسرائيل تعتبر نفسها فوق القانون الدولي، نظرا لوجود الضوء الأخضر الممنوح لها من الولايات المتحدة، وبعض الدول الغربية، الامر الذي يشجعها على ارتكاب مختلف الجرائم، في جميع الحروب التي تشنها على الشعب الفلسطيني، وبالتالي فان الصدمة التي أحدثها قرار المحكمة الجنائية الدولية على تل ابيب قوية، وغير متوقعة على الاطلاق، مما دفع الحكومة الإسرائيلية لمحاولة تنظيم حملة تشويه، ضد ممثلة الادعاء ”فاتو بنسودا“، بهدف الضغط على المحكمة الدولية للتراجع عن القرار، او محاولة تجميده، نظرا للتداعيات السياسية الكبيرة على الساسة في تل ابيب، وكذلك على القادة العسكريين، مما يعرضهم لحظر الاعتقال بمجرد صدور قرار ادانة، من المحكمة الجنائية الدولية.

الدعاية الضخمة التي انفقت عليها تل ابيب مئات الملايين من الدولارات، لتبيض صورتها في العالم، باعتبارها واحة الديمقراطية والسلام وسط غابة من الدكتاتوريات في الشرق الأوسط، مرشحة للتهاوي بمجرد النظر في دعاوى جرائم الحرب، في المحكمة الجنائية الدولية، لاسيما وان حبل الكذب قصير للغاية، وبالتالي فان الضمير العالمي الحي سيصحو في النهاية، اذ من الصعب استغفال العقول البشرية على الدوام.

أشلاء أجساد الأطفال والنساء المتناثرة على الأرض، نتيجة قصف الطائرات الإسرائيلية، احدى الدلائل الدامغة لوحشية الاحتلال الإسرائيلي، وبالتالي فان المحكمة الجنائية الدولية ليست بحاجة لمزيد من الجهد، والبحث للحصول على ادلة الإرهاب الفلسطيني، فالذاكرة الفلسطينية ما تزال تحتفظ بالقصص الكثيرة، منذ تشريد الشعب في منتصف الاربعينات، واستمرار بعمليات الاغتيال المنظمة تجاه الساسة الفلسطينين، ومرورا بالحروب العديدة التي تشنها، بين فترة وأخرى على الشعب الفلسطيني.

الشعب الفلسطيني لم يعد يثق في المنظمات الدولية، في الوقوف الى قضيته العادلة، فالتجارب الكثيرة لا تبشر بالخير على الاطلاق، بيد ان بداية ”الغيث قطرة“ كما يقال، وبالتالي فان اعلان المحكمة الجنائية الدولية، يمثل بارقة امل في مشوار الاضطهاد والإرهاب الإسرائيلي، المستمر منذ عقود عديدة.

كاتب صحفي