آخر تحديث: 20 / 4 / 2024م - 2:34 ص

التشهير.. المجتمع

محمد أحمد التاروتي *

يلجأ البعض الى سلاح التشهير، كأداة فاعلة في اسقاط الطرف الاخر، فالنجاح مرهون بمدى قبول البيئة الاجتماعية، لهذا النوع من السلوك، لاسيما وان التشهير بمثابة مادة دسمة، تفتح شهية العديد من الفئات الاجتماعية، مما يدفعها للانخراط المباشر لتوسيع الدائرة، سواء بوعي او بدون وعي، الامر الذي يحقق الأغراض والأهداف المرسومة، وبالتالي فان وجود الأرضية الخصبة لنمو هذا السلوك، يشجع على استخدام هذه الأداة في العديد من الاختلاف او الخلافات، باعتبارها من اكثر الأسلحة قدرة في الانتشار، وكذلك في الحصول على النتائج السريعة.

البيئة الاجتماعية غير الواعية، تتلقف الدعاية المغرضة بسهولة، فهي لا تنظر لما وراء هذه الحملات المنظمة، بقدر نظرتها لوجود مادة دسمة تتغذى عليها، الامر الذي يدركه أصحاب سلاح التشهير، اذ يعمد هؤلاء لاشغال الفئات الاجتماعية، بمعارك سواء رئيسية او هامشية، من اجل الوصول الى الأهداف المنشودة، بحيث تتجلى في التصويب على احدى الشخصيات الاجتماعية بشكل مركز، بهدف احداث حالة من الانقسام الداخلي، ومحاولة إيجاد شرخ كبير، تجاه تلك الشخصيات، مما يسهم في الوصول الى تشويه صورتها، في البيئة الاجتماعية، وبالتالي اسقاطها بشكل كلي او جزئي، لدى العديد من الشرائح الاجتماعية.

عملية التخطيط للتشهير مرتبطة بالاهداف الموضوعة، فاذا كانت تلك الأهداف مرحلية، او قصيرة الأمد، فانها لا تتطلب سوى اطلاق ”بالونات“ سريعة الذوبا، ن وقابلة للانتشار شكل سريع في المجتمع، مما يساعد في خلق حالة من الارباك، والريبة لدى الفئات الاجتماعية، الامر الذي يعطي نتائج ذات مدى قصير، وبالتالي فان الأغراض المرحلية لسلاح التشهير يحدد الطريقة، والأسلوب المتبع، خصوصا وان الطرق متباينة ومختلفة تماما، تبعا للبيئة الاجتماعية، وكذلك مستوى الوعي، لدى غالبية افراد المجتمع.

فيما تكون الاليات المستخدمة للاهداف بعيدة المدى مغايرة تماما، فهي تعتمد على سياسة التشويه والدعاية المتدرجة والمتعاقبة، بهدف احداث تحولات جذرية في طبية التفكير، لدى العقل الجمعي تجاه الطرف الاخر، خصوصا وان الأساليب السريعة تكون غير مطلوبة، نظرا لوجود نظرة بعيدة المدى، مما يتطلب التريث وعدم استعجال النتائج على الأرض، فالعملية تتطلب الخطوات المتأنية، وغير المستعجلة على الاطلاق، لاسيما وان التشهير يستهدف القضاء على الطرف المقابل، بشكل نهائي وقطع الطريق امام محاولات العودة.

ادراك الأهداف المرسومة، والوصول الى الغايات الحقيقية، يساعد في التحرك الواعي، ومحاولة إيجاد الطريق المناسب، لافشال الخطط الموضوعة، فيما يتعلق بخلق فجوة واسعة بين الشخصيات الفاعلة بالبيئة الاجتماعية، بمعنى اخر، فان التحرك المضاد يتطلب التعامل بوعي لتفويت الفرصة، على الأطراف الساعية لاسقاط الشخصيات، ذات الأثر الفاعل في المجتمع، خصوصا وان البعض يستخدم التشهير للاستحواذ على الساحة الاجتماعية، والخشية من سحب البساط من تحت اقدامها.

ثقافة التشهير تستخدم أحيانا في الاضرار بمصالح بعض الأطراف، ولكنها تستخدم كسلاح مضاد في بعض الأحيان، لاسيما وان هذه الأداة متاحة للجميع، وبالإمكان تطويعها بكفاءة عالية، من خلال توظيفها بالطريقة العكسية، وبالتالي فان اللجوء لسلاح التشهير، او محاولة تكريسه كثقافة في البيئة الاجتماعية، ينم عن ”قصر“ نظر أحيانا، واحيانا أخرى، يكشف انعدام الوسائل القانونية، للتحرك ضمن النسق الطبيعي، للمنافسة المستعرة بين الأطراف المختلفة، مما يستدعي وضع جميع الاحتمالات في الحسبان، فالسلاح يمكن تطويعه بطريقة مضادة، مما يفقده الفاعلية المطلوبة في الاضرار بالاطراف المستهدفة.

يبقى التشهير أداة مشاعة في العديد من المجتمعات، بيد ان الاختلاف يكمن في طريقة استخدامها، ومدى انتشار في الوسط الاجتماعي، فهناك مجتمعات تركض وراء مختلف أنواع التشهير، مما يجعله سلعة قابلة للتداول اليومي، فيما توجد مجتمعات تتحرك بوعي في التعاطي، مع سلاح التشهير، مما يسهم في تحجيم دوره في البيئة الاجتماعية، الامر الذي يدفع الأطراف الداعمة لهذ السلوك بذل الكثير من الجهد، في سبيل الوصول الى الغايات المنشودة.

كاتب صحفي